اليمن يفاجئ “إسرائيل” وشركاءها.. موقف ثابت وعمليات متصاعدة

بقلم: علي ظافر..
في تطوّر مهم أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن عملية واسعة نفّذها سلاح الجو اليمني على مروحة واسعة من الأهداف العسكرية والحيوية ضمن نطاق جغرافي يمتد من النقب و”إيلات” مروراً بعسقلان وصولاً إلى يافا، ضمن مسار عسكري تصاعد على نحو ملحوظ منذ عملية الاغتيال الإسرائيلية الغادرة التي استهدفت رئيس وزراء حكومة التغيير والبناء وعدداً من وزرائها أواخر آب الماضي أثناء عقدهم ورشة اعتيادية لمناقشة الأداء الحكومي خلال عام منذ تشكيلها وتكليفها.
رسائل ودلالات عملية “مطار رامون“
اللافت في العملية الأخيرة تلك الطائرة اليمنية المسيّرة (لم يكشف عن نوعها) التي اخترقت أجواء فلسطين المحتلة، وتجاوزت منظومات الكشف والإنذار والاعتراض، وانقضّت على ملحق بالقرب من صالة انتظار المسافرين في مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة، مسبّبة ضرراً كبيراً في المكان المستهدف وخسائر بشرية تمّ الاعتراف منها بـ8 إصابات وفق الإسعاف الإسرائيلي.
من هنا نخلص إلى عدة رسائل ودلالات مهمّة من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية أبرزها:
– العملية تأتي ضمن مسار عسكري ثابت ومتصاعد يترجم حرفياً ما أعلنته القيادة اليمنية عقب عملية اغتيال رئيس الحكومة اليمنية وعدد من وزرائها.
– العملية تصبّ ضمن معادلة أعلنها الرئيس مهدي المشّاط، وجدّدتها القوات المسلحة من أنّ كيان العدو ومطاراته كلّها ليست آمنة.
– القوات المسلحة طوّرت أسلحتها على المستوى التقني، وباتت تملك أوراق قوة استراتيجية لا يمكن تجاهلها على مستوى الصواريخ والمسيّرات، وقد تجلّى ذلك بداية من الكشف عن صاروخ برأس انشطاري “متعدّد الرؤوس”، وهذه المرّة طائرة مسيّرة لديها القدرة على المناورة والتخفّي عن منظومات الكشف والإنذار والاعتراض، وهذا ما اعترف به العدو الإسرائيلي مؤخّراً.
– امتلاك القوات المسلحة اليمنية قدرة عالية على التوجيه، ودقّة الإصابة، بدليل حسي ملموس: أنها استطاعت إصابة نقطة محدّدة داخل هدف يبعد من اليمن مسافة تتراوح ما بين 1600 – أكثر من 2000 كيلومتر مربّع.
اليمن لـ “إسرائيل”: انتظروا مفاجآتنا
– فشل استراتيجيات العدو ووهم ردع اليمن، سواء من خلال العدوان على المنشآت الحيوية والاقتصادية من مطار وموانئ ومصانع ومحطات كهرباء أو بالانتقال إلى استراتيجية الاغتيال، وثبت عملياً أنّ إراقة الدم وعمليات الاغتيال تزيد اليمنيين غضباً وإصراراً على المواجهة وتنقلها إلى مستويات أعلى من التصعيد.
خط بيان متصاعد.. 22 صاروخا ومسيرة في 10 أيام
تدرك الأوساط الصهيونية وكذلك صانعو القرار داخل كيان العدو كلّ ما سبق من الرسائل والدلالات وفشل محاولات الكيان في ردع اليمن، وإصرار اليمنيين على مواصلة عمليات الإسناد بالنظر إلى حقائق عملياتية ملموسة بالدليل الحسي في خط بياني متصاعد عسكرياً منذ 27 آب وإلى تأريخ كتابة هذا المقال، إذ شهدت هذه الفترة المحدّدة وحدها 12 عملية بعضها مزدوجة أو مركّبة مشتركة، وأخرى واسعة نفّذت بـ22 ما بين طائرة مسيّرة وصواريخ بالستية وفرط صوتية وانشطارية ومجنّحة وفق بيانات القوات المسلحة اليمنية.
“إسرائيل”.. انتظار وترقّب قلق من ردّ يمني أقوى
لا يزال كيان العدو في حالة انتظار وترقّب قلق من ردّ يمني مرعب على عملية الاغتيال الغادرة بحقّ رئيس حكومة التغيير والبناء ورفاقه الشهداء من الوزراء وإدارة مكتب رئاسة الوزراء وسكرتاريتها، وهنا من المفيد الإشارة إلى أنّ كلّ العمليات السابقة تندرج ضمن عمليات الإسناد الطبيعية والمستمرة منذ عامين، أما الردّ على جريمة الاغتيال فلا يمكن لأحد تصوّر كيف سيكون؟ ومتى؟ وأين؟ وبأيّ سقف سيكون؟
لكنّ هذه العمليات مجتمعة تؤكّد أنّ اليمن لم يتأثّر ولم يرتدع بأكثر من 15 عدواناً إسرائيلياً، وأنه كلما عظمت التحدّيات والتهديدات ضدّ اليمن تعاظمت قوته وقدرته كمّاً وكيفاً واشتدّ عُوده وتماسكه الداخلي وزاد إصراره على المواجهة، ويمكن تلمّس هذه الحقيقة في تجربة أنصار الله تحديداً منذ 21 عاماً، وفي تجربة الجمهورية اليمنية الجديدة -إن جاز لنا التعبير- التي تشكّلت عقب ثورة 21 أيلول 2014 وما تلاها من عدوان أميركي سعودي إماراتي استمرّ قرابة 10 سنوات.
ملامح المرحلة المقبلة
رغم تهديدات العدو الإسرائيلي وعملياته العدوانية المستمرة ومارافقها من رهانات على إحداث فراغ ما وإجبار اليمن ومنعه من مواصلة عمليات إسناد غزة، فقد استطاعت صنعاء إسقاط تلك الرهانات بدءاً من ترتيب الوضع الحكومي وسدّ الفراغ الناجم عن عملية اغتيال رئيس الوزراء ورفاقه في ظرف 48 ساعة بتكليف النائب الأول لرئيس الحكومة باستلام مهام رئيس الوزراء، واستمرار من تبقّى معه من الوزراء ونوّابهم ووكلائهم في تصريف الأعمال هذا فيما يخصّ الجانب الإداري والتنظيمي للدولة.
وفي الموازاة كان الموقف اليمني واضحاً ومعلناً وحاسماً منذ اللحظات الأولى لعملية الاغتيال الإسرائيلية الغادرة، إذ أعلنت القيادات ومن مختلف المستويات، أنّ موقف اليمن مع غزة ثابت ومستمرّ ولن يتزحزح قيد أنملة، وأنّ “مسارنا العسكري في استهداف “إسرائيل” سواء بالصواريخ والطائرات المسيّرة أو بالحظر البحري مسار مستمرّ وثابت ومتصاعد” كما أعلن السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب “شهداء اليمن” يوم 31 آب من رئاسة الحكومة ووزرائها، وسبق ذلك تأكيد من الرئيس مهدي المشّاط توعّد فيه العدو بـ”أيام سوداء” وتوعّد وزير الدفاع ورئيس هيأة الأركان كيان العدو بـ”الجحيم“.
مواجهة “التحدّي بالتحدّي“
إنّ ما حصل مؤخّراً قد لا يكون سوى تجربة كشفت عورة أقوى منظومات الإنذار والاعتراض كما يرجّح بعض الخبراء، تمهيداً لمرحلة جديدة تحمل في طيّاتها الكثير من المفاجآت اليمنية، ومعروف عن اليمن بأنه “مقبرة الغزاة” وأنّ اليمنيين كما وصفهم القرآن “أولوا بأس شديد”، ونَفَسُهم استراتيجي وطويل، وكلّهم ثقة ويقين بـ “حتميات هزيمة العدو” وأنه لا مفرّ ولا منجى للكيان المؤقت من “الخراب الثالث” مهما علا واستكبر ومارس الاستباحة هنا وهناك، وإرادة الشعوب المجاهدة والمقاومة أقوى من كلّ الأسلحة والتحالفات، فإرادة الله فوق كلّ الإرادات والنصر حتماً آتٍ، وما النصر إلا من عند الله.



