اراء

ما السر وراء خطة ترامب لإنهاء حرب غزة؟

بقلم: شرحبيل الغريب..

أثار التحرّك اللافت والملحوظ من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تُجاه قضية إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، تساؤلات كثيرة حول أهداف هذا الحراك السياسي الذي أفضى مؤخّراً إلى تقديم ما عُرف باسم خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة.

وما أن طرحت الخطة الأمريكية رسمياً من الإدارة الأمريكية وسلّمت عبر الوسطاء القطريين والمصريين لوفد حماس، حتى تصاعدت ظاهرياً لغة التهديد والوعيد على لسان الرئيس ترامب بضرورة الموافقة عليها، لكن باطنياً لم يكن هذا هو السبب الحقيقي من وراء ارتفاع منسوب تهديدات الرئيس ترامب للموافقة على الخطة، فقد كشف موقع أكسيوس عن تصريحات حديثة أدلى بها الرئيس ترامب نفسه عن أحد أهمّ أهداف الخطة التي طرحها، قائلاً: إنّ الحرب على غزة أدت إلى عزلة “إسرائيل” دولياً، لقد ذهب نتنياهو بعيداً جداً، وخسرت “إسرائيل”، الكثير من الدعم في العالم، والآن سأعيد كلّ هذا الدعم”.

وتبعت تصريحات الرئيس ترامب، تصريحات خاصة أدلى بها وزير خارجيته ماركو روبيو، الذي قال: “لا يمكننا تجاهل تأثير الحرب في غزة على مكانة إسرائيل في العالم”.

تصريحات كهذه معناها الحقيقي هو، أنّ الرئيس ترامب يدرك جيداً مستوى العزلة التي تعيشها “إسرائيل” جرّاء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تقوم به تُجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو بذلك يريد أن ينقذ “إسرائيل” من نتنياهو وحكومته التي تسبّبت في هذه العزلة، وينقل “إسرائيل” من مرحلة العزلة عبر مخرج المبادرة، لتحقيق هدف واضح يتمثّل في استعادة مكانة “إسرائيل” الدولية. فهل ينجح ترامب في خطته ويعيد لـ”إسرائيل” ما خسرته؟

موقع أكسيوس كشف حديثاً عن مكالمة هاتفية محتدمة بين الرئيس ترامب ونتنياهو عقب ردّه على موافقة حماس على الخطة الأمريكية، وصف فيها ترامب نتنياهو بالسلبي.

الملاحظ في خطة الرئيس ترامب أنه يتحدّث ليس عن مشروع إنهاء حرب، بل عن مشروع سياسي كبير يعيد تموضع “إسرائيل” في العالم بعد واحدة من أكثر الحروب كلفة عليها وعلى صورتها، وهو يدرك أنّ “إسرائيل” لم تخسر فقط ميدان المعركة في قطاع غزة، بل فقدت كثيراً من رصيدها في مختلف الساحات الدولية.

بين حسابات خطة الرئيس ترامب والواقع في “إسرائيل” الذي يقول غير ذلك، هناك حسابات سياسية ونتنياهو له شركاء في الحكومة يحملون مشروع حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني وإعادة احتلال قطاع غزة وضمّ الضفة الغربية، واحتمالية أن تصطدم الخطة الأمريكية بالحسابات الداخلية في “إسرائيل” واردة، ومعروف أنّ “إسرائيل” في عهد الائتلاف الحكومي وحساباته وبرنامجه لن تكون سهلة الانقياد، وحتى نتنياهو لن يكون مستعداً لتنفيذ أية خطة تمسّ جوهر مشروعه الأيديولوجي واستراتيجيّته التي ردّدها كثيراً والقائمة على إبقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية في قطاع غزة بيده تحت أيّ غطاء سياسي عربي أو دولي، رغم تأكيده العلني أنه يدعم خطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة.

هنا تكمن أساس المشكلة في خطة الرئيس ترامب، والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لترامب أن يعيد لـ”إسرائيل” مكانتها الدولية في ظلّ هذا الكمّ من التعقيدات من جهة، وأمام جذور الأزمة التي تمرّ بها “إسرائيل” على صعيد مكانتها وصورتها الذهنية خاصة إذا ما تعلّق الأمر بمشكلة أخلاقية سياسية؟، إذ إنّ المشكلة التي أضرّت بصورة “إسرائيل” لم تكن سحابة عابرة بل كانت شهوراً من القتل والإبادة والتطهير العرقي وصوراً رسخت في ذهن وعقل ووجدان جهات كثيرة دولية باتت تقاطع “إسرائيل”، وفي المقابل، بات من الصعب على ترامب تلميع هذه الصورة بسهولة في تغيير مواقف عالمية.

ثمة مسألة مهمة في هذا السياق، إذ إنّ الخطة الأمريكية تواجه تحدّياً كبيراً على صعيد مصداقية الإدارة الأمريكية، فالعالم لم ينسَ بعد كيف شكّل الانحياز الأمريكي الصارخ في ولاية ترامب الأولى، عاملاً أساسياً في مسار التحالف إبان الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لـ”إسرائيل”، ناهيك عن شرعنة الاستيطان وضمّ الجولان وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

ثمّة سؤال يطرح نفسه أمام هذه المعطيات، كيف سيتصرّف ترامب إزاء هذه الرؤية السابقة والمواقف المكشوفة والانحياز الواضح لـ”إسرائيل”؟.

أعتقد أنّ ما يطرح هو إعادة إنتاج صفقة القرن لكن بثوب جديد، بل محاولة إعادة تعريف دور أمريكا في المنطقة على قاعدة إعادة الاعتبار لـ”إسرائيل”، إلّا أّن توقيت ما يطرح لا ينسجم مع ما يريده ترامب، فالعالم تغيّر وموازين الوعي الدولي تغيّرت.

ربما يكون بمقدور ترامب توقيع اتفاق أو فرض هدنة وصفقة تبادل، لكنه لن يستطيع مهما امتلك من دهاء سياسي، أن يمحو من ذاكرة الشعوب وكلّ أحرار العالم، صور الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، ولا أن يعيد إلى “إسرائيل” ما خسرته على الصعيد الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى