لماذا الخوف من اعلان الدولة الفلسطينية؟

بقلم: آسيا العتروس..
اعلان الدولة الفلسطينية أمر حتمي ولا بديل عنه مهما تأجل، والغطرسة الاسرائيلية لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية، ولو توفر الحد الأدنى من الارادة السياسية الدولية، لما استمرت جرائم كيان الاحتلال دون عقاب.. من الواضح أن كيان الاحتلال يخشى هذا الأمر ويسعى لعرقلته ومنعه بكل الطرق، وما يجري في غزة من فصول محرقة العصر التي تجاوزت كل التصورات، جزء من حملة نتنياهو لمنع هذا الاعلان واجهاضه.
ويكفي أن نستحضر تهديدات نتنياهو وعصابته ضد كل دولة تتجه الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لندرك أن هذا الاعلان مزعج لكيان الاحتلال، وأن مجرد اعلان فرنسا وبريطانيا النية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أصاب نتنياهو بنوبة جنونية وجعله كالمسعور ينذر ويتوعد ويهدد ويتطاول على الدول التي يعود لها الفضل في نشأة الكيان الغاصب ومنحه بطاقة الولادة غير الشرعية في أحضان عصبة الأمم.. اعلان الدولة الفلسطينية له أحكامه في القانون الدولي وأول تلك الأحكام ايقاف العدوان والابادة المستمرة في حق الشعب الفلسطيني… ولعله آن الأوان أن يكون الاعلان في رحاب الامم المتحدة لإنهاء الظلم الذي طال أمده وبالتالي منع انهيار القانون الدولي نهائياً وتنصيب قانون الغاب والتوحش، بدلا من ذلك بزعامة نتنياهو وترامب.
ترامب في الواقع لا يختلف في شيء عن السواد الأعظم من المجتمع الاسرائيلي المحكوم بعقلية عنصرية استعلائية تلغي الآخر وتسمح بإفناء كل من يتجرأ على نقد الدولة العبرية والمطالبة بمحاسبتها.. وهذا ما تؤكده أحدث استطلاعات الرأي التي كشفت وفق صحيفة هارتس العبرية، أن 82 بالمائة من الاسرائيليين يؤيدون تهجير الفلسطينيين من غزة، وأن 47 بالمائة يؤيدون قتل النساء والرجال والأطفال، وهي أرقام تعكس بوضوح توجهات حكومة اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو ومعه سموتريتس وبن غفير، وما يؤكد أيضا، أن التظاهرات الاحتجاجية التي قادها اليسار الاسرائيلي للمطالبة باستعادة الرهائن ووقف الحرب تتنزل في اطار الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه، فالمجتمع الاسرائيلي مجتمع مريض بالحقد والكراهية والسياسات الدموية، وأغلبه لا يرى ولا يسمع شيئاً مما يتعرّض له أجواره من قصف يومي يستهدف البيوت والمستشفيات والمدارس والجامعات ويبيد عائلات بأكملها ويتسبب في حرق الصحفيين أحياءً وفي تجويع الأطفال وحرق الأخضر واليابس.. وفي زمن تكنولوجيا المعلومات وعصر المواقع الاجتماعية، فان الاسرائيلي لا يرى شيئا من ذلك وحتى ان اطلع على سير المحرقة في غزة فانه عموما لا يبالي.. وباستثناء بعض المؤرخين الجدد والنشطاء الذين خبروا أهوال المحرقة اليهودية، يعبرون صراحة عن مواقفهم الرافضة لجرائم نتنياهو، لكنهم أبعد ما يكونون عن أي تأثير داخل الكيان الاسرائيلي.
خلاصة القول، أن كل ما يتنكر ويلغي الحق الفلسطيني مطلوب ومرغوب من ادارة ترامب بتعليمات إسرائيلية، وكل ما يمكن أن يدعم القانون الدولي رجس مرفوض.. ولهذا السبب وغيره من الأسباب أيضا، فان القرار المرتقب مطلع الاسبوع في الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية بدعم من فرنسا الدولة العضو في مجلس الأمن الدولي لا يجب ان يتوقف أو يتأجل لأي سبب كان… صحيح أن قرار اعلان الدولة الفلسطينية حدث في الجزائر منذ 1988 ولكن توجه عشر دول أوروبية اليوم لإعلان هذا الاعتراف الذي بات واضحاً أنه مزعج لكيان الاحتلال الاسرائيلي ولرئيس حكومته المهوس بمشروع اسرائيل الكبرى يجب أن يتكرس على أرض الواقع ويوجه رسالة الى ادارة ترامب أنه لا يمكن لقرارات واشنطن الموغلة في الاعتداء على الحق المشروع للشعب الفلسطيني، ان تمنع هذا الاعتراف الذي يعزز القناعة بان واشنطن وتل أبيب وبضع كيانات من الجزر النائية في المحيط الهادي وحدها ترفض هذا الاعتراف.. اعلان الدولة الفلسطينية والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الذي ظل يؤجل ليس منة أو هدية أو تنازلاً من أي كان بالعكس، فإن الشعب الفلسطيني أكثر من قدم التنازلات ولكن لم يحصد غير النكران والخذلان.. سيقول الكثيرون، أين ستقام هذه الدولة؟ وما هي حدودها ومقومات بقائها بعد سطو حكومات الاحتلال المتعاقبة على الارض وبعد حرب المستوطنين التوسعية من الضفة الى غزة؟.. وكلها تساؤلات مشروعة ومع ذلك، فلا شيء اليوم يجب أن يقف دون هذا الاعلان الذي أجمعت عليه أغلب دول العالم وسيكون لزاماً على الدول الأوروبية وبينها بلدان عضوان في مجلس الامن وهما فرنسا وبريطانيا اللذان يستعدان لهذا الاعلان التأريخي، أن يلتزما ويكرسا تبعات هذا الاعلان وما يستوجبه الاعتراف في القانون الدولي، من فتح لسفارات معتمدة لها على أرض فلسطين، وتوفير الحماية لها، وقبل كل ذلك منع تعرض سلطات الاحتلال لها، لان في ذلك أيضا اعتداءً على مصداقية وصورة والتزامات الدول المعنية… اعلان الدولة الفلسطينية ستكون شهادة اضافية عن العزلة الاسرائيلية والأمريكية أمام هذا الاجماع الدولي، ولكنها ستكون أيضا اختباراً للدول الراعية لإعلان الدولة الفلسطينية وبينها فرنسا وبريطانيا مهد وعد بلفور الذي قدّم ما لا يملك لمن لا يستحق .
لسنا واهمين ولا نتوقع ترحيب تل أبيب وواشنطن، ولكن من المهم أيضا ما سيكون عليه موقف فرنسا والدبلوماسية الفرنسية أمام تهديدات نتنياهو في حال أصرت فرنسا على موقفها… الخطوة مصيرية في التوجه جدياً نحو فرض عقوبات اقتصادية وتجارية وعسكرية على هذا الكيان الأرعن الذي تجاوز كل درجات الاجرام والتوحش ولا يمكن بأي حال من الأحوال اخماد أو تجاهل أصوات مشاهير السياسيين والمحامين والفنانين والرياضيين الذين يطالبون بمنع مشاركة اسرائيل في التظاهرات الرياضية الدولية ومنها كأس العالم وأصوات الحائزين على جائزة نوبل الذين يوقعون العرائض لردع هذا الكيان وايقاف الإبادة.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تبقى اسرائيل عنواناً آخر أبشع وأفظع أنواع الاحتلال في القرن الواحد والعشرين ومعها الحليف الأمريكي وحدهما على حق وكل العالم على خطأ… لقد أعلنت شعوب الأرض بمختلف انتماءاتها وأديانها ولغاتها، رفضها استمرار جرائم الابادة.. ولو كانت للضمير الشعبي الإنساني، سلطة القرار لكان وقع نهاية هذا الاحتلال.



