Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اراء

استحداث محافظات جديدة بين التأييد والمعارضة

القاضي المتقاعد حسن حسين جواد الحميري..

من خلال وسائل الإعلام (السوشل ميديا) سمعنا بوجود رغبة سياسية ابتداءً لم تقترن لحد الآن بإرادة تشريعية أو تنفيذية تتضمن استحداث محافظة جديدة في السليمانية وأخرى في نينوى بتحويل قضاءين منهما وترقيتهما الى مصاف محافظة، كما تناهى الى اسماعنا، ان هناك نية لتحويل قضاء القاسم في بابل الى محافظة أيضا.

المتتبع لتأريخ الخريطة الادارية للعراق، يلحظ ومنذ القدم، اهتمام القادة السياسيين بالأطر الادارية للدولة، ففي عهد الدولة الراشدة كان العراق يتمثل في ولايتي البصرة والكوفة والتي كانت عاصمة الدولة الاسلامية في عهد الإمام علي “عليه السلام” وفي العهد الأموي أضيفت ولاية واسط، أما في العهد العباسي كانت مدينة السلام الزوراء عاصمة الخلافة، ويلاحظ  انه كلما ابتعد الإقليم عن مركز القرار السياسي والاداري وكثرت خيراته وسكانه، كان الأمر يستوجب استحداث ولاية جديدة يمثل الخليفة فيها والى منصب من قبله ومهمته ضبط أمنه الداخلي وجباية الضرائب ومعاقبة الخارجين على القانون وعلى سلطة الخليفة.

وفي العهد العثماني، كان العراق يتمثل في ثلاث ولايات وهي الموصل وبغداد والبصرة، يمكن ان نقول انها ولايات فيدرالية كونها تتمتع باستقلال مالي واداري وهي مركزياً تابعة للسلطان الذي يدير الإمبراطورية من اسطنبول ومهمة الوالي فيها لا تخرج ولا تتجاوز مهمات الوالي في العهد العباسي وما قبله إلا ان هذه الولايات كانت تتعاون فيما بينها، للقضاء على الثورات والفتن التي تنشب بين الفينة والأخرى.

ثم حدث التطور المهم بل والأهم في حياة العراقيين بعد الاحتلال الإنكليزي، ومن ثم نشوء الدولة العراقية الحديثة، متمثلة في المملكة العراقية الفتية ومؤسسها الملك فيصل، حيث فتحت النوافذ على الحضارة الغربية، فشهد العراق خلال هذه الفترة، ثورة ادارية وعمرانية واجتماعية كبرى، وذلك من خلال انشاء أربعة عشر لواءً هي السليمانية، اربيل، كركوك، الموصل، ديالى، بغداد العاصمة، الكوت، الحلة، الديوانية، كربلاء، الناصرية، العمارة، البصرة، وكان من شأن انشاء هذه الألوية أو المقاطعات الادارية هو تطوير الواقع الاجتماعي والاقتصادي والصحي لأهاليها من خلال قيام الادارات التي تشرف على مؤسساتها المالية والادارية والقضائية والتعليمية والصحية وغيرها من الدوائر بتقريب خدماتها من المواطنين الذين كانوا يعيشون حياة هي في الحقيقة حياة بداوة قبل ان تعرف أي نوع من الحضارة، أما حضارة العراق القديمة من سومرية وبابلية وآشورية، فقد طمسها الجهل.

وهكذا كانت سياسة المملكة العراقية تتجه نحو توطين القبائل مع جهود مترافقة ومتلازمة لافتتاح المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في هذه الألوية الناهضة، كذلك كانت هناك المستشفيات والمستوصفات ودوائر الضرائب والنقل والمواصلات، وشُقت الأنهر والطرق والجسور، وشيدت السدود والمعامل، اضافة للدوائر العسكرية والبرلمانية والدستورية، وهكذا حصلت نقلة كبيرة في واقع المواطن العراقي.

والجدير ذكره، ان اللواء يترأسه المتصرف أو المحافظ بلغة اليوم، وينقسم الى وحدات ادارية أقل منه درجة وهي القضاء ويترأسه القائممقام (وهي كلمة عثمانية تعني رتبة عقيد) والناحية ويترأسها مدير الناحية، ولكل هذه الدوائر الادارية الثلاث، درجة خدمات بلدية تختلف باختلاف صنفها، إذ تخدم أهالي مركز اللواء، مديرية بلدية من الدرجة الاولى تقدم لأهالي المركز أفضل الخدمات البلدية، أما أهالي القضاء فتكون خدماتهم البلدية المقدمة لهم أقل درجة من أهالي مركز اللواء، وكذلك خدمات بلدية الناحية تكون أقل من خدمات مركز اللواء والقضاء، ولا يمنع هذا التقسيم من يرتقي بصنف بلدية قضاء الى خدمات درجة أولى ان حصل تطور اقتصادي وهو أمر نادر الحدوث كون العراق في تأريخه السياسي الحديث والمعاصر قد عصفت به ظروف سياسية ودولية صعبة أضرّت به كثيراً.

أما في العهد القاسمي والعارفي، فلم تستحدث الوية أو أقضية إلا قليلا من النواحي، وانه في عام ١٩٧٠ استحدثت محافظات صلاح الدين والنجف ضمن موازنة سياسية.

أما في الدول الأوروبية، فالأمر مختلف جدا ولم يعد مقتصرا على تقريب الخدمات البلدية والصحية والتعليمية وغيرها من المواطنين، وانما الأمر تعدى ذلك، كون الدولة المعاصرة تسعى لتحقيق اسعاد المواطن ليس فقط من خلال الراتب الجيد وخدمات المعونة الصحية والدراسة الجيدة وعدم وجود راشٍ أو مرتشٍ، كون هذه الحقوق بمنظور حداثوي، باتت طبيعة لصيقة به، وجزءاً أساسياً من حياته وانما ما تحقق للمواطن من أشياء ترفيهية قد حصل عليها من خلال سفر أو أشياء أو منجزات علمية حقق بها ذاته وسعادته.

نخلص من كل ذلك الى أهمية تشجيعنا للدولة إذا ما أرادت استحداث وحدات ادارية ممثلة بإنشاء محافظات جديدة وما في ذلك من تأثير عظيم في تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وما في ذلك من اسعاد لهم وباعتباره حقاً دستورياً واجباً على الدولة الايفاء به، وقد ورد في الأثر (أخوك بخير أنت بخير).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى