اراء

الجنوب السوري بعد عملية “بيت جنّ”.. غضب ودعوات لإطلاق المقاومة

بقلم: جو غانم..

تقع بلدة “بيت جنّ” على ارتفاع 1050 مترًا في الجنوب الغربي لمدينة دمشق، تبعد عن مركز العاصمة 50 كيلومترًا، وتتبع إداريًّا لمنطقة “قَطَنَا” التابعة لمحافظة ريف دمشق. وتبعد عن سفوح جبل حرمون (الشيخ)، حيث تتمركز قوات الاحتلال الإسرائيلي، 11 كيلومترًا.

في وقت متأخر من ليل الخميس الفائت، أقدمت قوة إسرائيلية تتبع للفرقة /210/ في “جيش” الاحتلال الإسرائيلي، على اقتحام الحيّ الجنوبي للقرية بينما كان أهلها يحتفلون بعرس أحد شبابهم، وكان الهدف الإسرائيلي المعلن، هو اعتقال عدد من الشباب الذين تقول الأجهزة الأمنية والعسكرية في الكيان، إنهم يتبعون لـ”الجماعة الإسلامية”، وإنهم يخططون “لأعمال إرهابية ضد إسرائيل”.

وفي حين اعتقد المخططون للعملية في “جيش” الكيان، أن الأمور ستجري بسلاسة كما جرى عليه الأمر في عمليات سابقة في الجنوب السوري، استهدفت مدنيين عزّل، فوجئ أفراد قوة الاحتلال بوابل من النيران يتساقط عليهم من مسافة قريبة جدًّا، ليبدو الأمر أن القوة قد وقعت في كمين محكم، أسفر منذ الدقائق الأولى للاشتباك، عن سقوط أكثر من عشرة جنود بين قتيل وجريح (اعترفت المصادر الإسرائيلية بـ /14/ جريحًا، بينما أكّدت مصادر أهلية محلية سقوط قتلى بين صفوف القوة المهاجمة).

وكالعادة، استقدمت قوات الاحتلال تعزيزات جوية لتخليص القوة المحاصرة، لكنّ الطائرات الحربية الإسرائيلية المقاتلة، لم تستطع الاشتراك في المعركة، نظرًا لأن الاشتباك كان يجري من المسافة صفر في بعض المواقع، لكنّ قلّة عدد المدافعين وسقوط عدد منهم بعد قدوم تعزيزات جديدة إلى المكان، مكّنت القوة الإسرائيلية من سحب القتلى والجرحى واعتقال عدد من الأشخاص، وقد أسفر العدوان عن سقوط 11 شهيدًا من أبناء البلدة.

وثمّة من يربط بين عملية “بيت جنّ”، التي تعدّ الأخطر من حيث الطريقة والتفاصيل والنتائج المباشرة، وبين رؤية رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، لهذا السلام الموعود، إذ يريد الأخير إقرار “السلام بالقوة” من خلال تكريس احتلاله للمواقع السورية التي سيطر عليها “الجيش” الإسرائيلي خلال العام الفائت بعد سقوط النظام السابق، وفرض سيطرته الجوية والأمنية على عموم مناطق الجنوب السوري، واعتبار هذا الواقع أمرًا غير قابل للتفاوض.

في الجولة الأخيرة من المفاوضات، طلب المفاوض السوري إعادة الجولان السوري المحتل والانسحاب من جميع المواقع التي احتلها “الجيش” الإسرائيلي خلال هذا العام، والعودة إلى خط الهدنة (اتفاق عام 1974) والبدء بمفاوضات سلام من عند تلك النقطة.

بينما طلب الإسرائيليون من السوريين بوضوح، التنازل عن جميع الأراضي التي احتُلّت في عام 1967، ومنها مرتفعات الجولان، وتكريس هذا الواقع بشكل رسميّ عبر اتفاق سلام، أو إبرام اتفاق أمني مؤقت يقضي ببقاء “جيش” الاحتلال في /10/ مواقع جرى احتلالها خلال هذا العام، تمتد من جبل الشيخ حتى الحدود الجنوبية، وجميعها تقع في عمق الأراضي السورية، ولم يترك الإسرائيليون أي خيارات أخرى.

وإذا كانت العملية الإسرائيلية في “بيت جن”، غير مفاجئة في شكلها العام، خصوصًا بعد كثرة التوغلات الإسرائيلية في مناطق الجنوب السوري، والتي بلغت /70/ عملية توغّل منذ بداية هذا الشهر، تشرين الثاني، فقط، إلّا أنها المرة الأولى التي تشتبك فيها القوات المعادية مع مواطنين سوريين بشكل مباشر، وهو أمر يكشف بشكل أكبر موقف السوريين من الاحتلال عمومًا، ومن الأطماع الإسرائيلية في الجنوب السوري.

وهنا، جاءت ردود الأفعال الشعبية السورية غاضبة جدًّا ورافضة لأي تنازل أمام هذا العدو الذي يرى هؤلاء أنّ لا حدود لأطماعه في سوريا والمنطقة، وأنهم حاضرون للدفاع عن بلدهم بكل الطرق والسبل الممكنة، وهو أمر عبّر عنه أهالي “بيت جنّ” والقرى المجاورة بشكل واضح، حين طلبوا من الدولة السورية اتّخاذ جميع الإجراءات اللازمة لصدّ اعتداءات الكيان.

وجاء حديث “القائد العام للجهاز السوري المستقل لمكافحة الإرهاب”، أنس الشيخ، لافتًا حين اعتبر أنّ “الشعب السوري مسلّح ومتمرس في القتال بعد /14/ سنة من الحرب، وأنه لا يمكن أن يقبل بأي قوات تتوغل داخل أراضيه أو تنفذ أية عمليات اعتقال أو قتل”، ورأى الشيخ أن أي تحرك إسرائيلي جديد “سيفتح الباب أمام مقاومة شعبية واسعة على امتداد أرض الجنوب”.

وحذر الشيخ السلطات السورية من تخلّيها عن مسؤولياتها تجاه الجنوب، واعتبر أن ترك الجنوب ساحة مكشوفة، فتح الباب أمام التدخلات الخارجية والاعتداءات المتواصلة. ورأى أن أي تنازل من السلطات أمام الكيان، سيجعل من السلطة نفسها هدفًا لمقاومة شعبية أيضًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى