الزبير تستعيد روح الخيام وتراث بيوت الشعر

مع أول نسمات البرد في البصرة، تخرج عشائر الزبير من جدران الطابوق إلى فضاء الخيام، معلنة عودة الحياة إلى بيوت الشعر التي ورثها الأبناء عن الأجداد، فمع الخريف من كل عام، تُنصب المضايف وتضاء الساحات بنيران القهوة العربية، ويجتمع الوجهاء والشباب في مجالس تمتد حتى عودة صيف نيسان.
هذا المشهد المتجدد في مضايف عشيرتي الجمالي والرُّفيع، حيث يسبق الشباب كبار السن في الحضور، قادمين من مختلف مناطق الزبير بل ومن مدن بعيدة مثل “أبو الخصيب”، في صورة تُسعد الشيوخ وتعيد للأذهان مواسم السَّمر القديمة.
يقول أبو عباس الجمالي إن بيوت الشعر تُشترى من مناطق لها باع طويل في صناعتها مثل الحي في واسط والشطرة في ذي قار، وغالباً ما تُخاط وفق عادة “الفزعة” دون مقابل، ثم تقام وليمة غداء لكل من شارك في النصب. ويؤكد أن هذه الخيام تعرف بـ”بيوت العِز”، فهي تحفظ كرامة صاحبها، وتمكّنه من الرحيل متى ما ضاق به المقام.
أما الشيخ بدر حازم الرفيعي فيصف بيت الشعر بأنه مدرسة تُحفظ فيها “علوم الرجال”، حيث يجتمع الحضور من صلاة المغرب حتى منتصف الليل. كبار السن يغادرون باكراً، بينما يبقى الشباب حتى ساعات متأخرة، يتبادلون الحكم والقصص ويستعيدون تراثهم بعيداً عن صخب المقاهي.
بدوره يوضح الشيخ سعدون عطشان أن بدو الزبير ما زالوا متمسكين ببيوت الشعر رغم امتلاكهم منازل حديثة، فالمضايف الطينية والصيفية تُترك جانباً في الشتاء، وتعود المجالس إلى الخيام الرحبة. ويؤكد أن هذه المجالس مفتوحة لكل عشائر المنطقة، بل وحتى لزوار من دول الخليج ممن يأتون لاستذكار جذورهم النجدية في الزبير والبصرة.
هكذا، كلما اشتد البرد، عاد الدفء إلى الخيام، وعادت معها ذاكرة الصحراء وعادات السَّلف التي ما زالت تعيش في قلوب بدو العراق.



