ما خيارات المقاومة للتعامل مع ما يجري خلف الخط الأصفر؟

بقلم: أحمد عبد الرحمن..
لا يبدو أن العدو الصهيوني في وارد احترام بنود وقف إطلاق النار الذي تم التوصّل إليه في قطاع غزة قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، ولا يبدو أن شهيته للقتل والتدمير والحصار قد وصلت إلى مرحلة من التشبّع والاكتفاء، بل إنه وكما العادة يواصل الضرب عُرضَ الحائط كل ما وعد به، أو أبدى موافقة على تنفيذه.
هذا التطوّر عبارة عن عمليات تفجير هائلة تجري يومياً في أوقات متأخّرة من الليل، أو في ساعات الصباح الأولى خلف الخط الأصفر من الناحية الشرقية، أي في المنطقة التي يسيطر عليها “جيش” الاحتلال بشكل كامل، ويُمنع أي شخص من الاقتراب منها، أو حتى النظر إليها أو تصويرها عن بُعد، وهو في ذلك يحاول التستّر عمّا يقوم به هناك، وما يؤسس له خلال المرحلة المقبلة.
حسب متابعتنا عن قرب، وحسب الكثير من المعلومات المتداولة، فإن هذه التفجيرات تنقسم إلى جزءين: الأول يستهدف ما تبقّى من بيوت ومساكن ومنشآت تم استهدافها سابقاً إلا أنها ما زالت واقفة على سوقها، ولم تسقط بعض أجزائها، لا سيّما الأرضية منها، أما الجزء الثاني وهو الأعنف، والذي يؤدي إلى هدم وتدمير بعض ما تبقّى من أشباه البيوت غرب الخط الأصفر، والتي يحاول المواطنون المكلومون العيش بداخلها أو بجانبها، رغم ما قد يشكّله ذلك من خطر على حياتهم فإنه يستهدف كما يبدو أنفاقاً تحت الأرض، نجت فيما سبق من بطش الاحتلال، وبقيت بعيدة عن أطنان متفجّراته التي يزرعها بداخلها، محدثاً ما يشبه الهزة الأرضية، وتاركاً تأثيرات كارثية على المساكن التي تبعد عنها أكثر من نصف كيلومتر مربع.
قد يقول البعض إن الاحتلال يحاول استغلال فترة وجودة المؤقّتة في تلك المنطقة للقيام بتدمير كل البنى التحتية الموجودة فيها، وتحويلها إلى منطقة عازلة جرداء تقي مستعمراته ومواقعه العسكرية أي خطر في قادم الأشهر والسنوات، وهذا الكلام في حقيقة الأمر صحيح، ويحمل الكثير من المصداقية والوجاهة، وهو هدف مُعلن لـ”جيش” الاحتلال منذ بداية الحرب، إلا أن ما لا تتم الإشارة إليه هو تأسيس “جيش” الاحتلال بنية تحتية على أنقاض ما كان موجوداً في تلك المناطق، يشير حجمها ونوعها إلى رغبة إسرائيلية بالبقاء في تلك المناطق مدّة طويلة، وتنفي بشكل قاطع ما يدّعيه من استعداد للانسحاب منها إلى المناطق الحمراء القريبة من الحدود الشرقية من القطاع في مرحلة لاحقة.
في المنطقة الواقعة شرق مدينة غزة تحديداً، والتي تجري فيها أعنف التفجيرات، وتعمل فيها بشكل متواصل وحثيث حفارات العدو وجرافاته، يجري استحداث مواقع عسكرية جديدة شرق أحياء الزيتون والشجاعية والتفاح، مزودة برشاشات أتوماتيكية ثقيلة تُطلق النار في معظم الأوقات، مُضافاً إليها كاميرات نهارية وليلية حديثة، إلى جانب مناطيد المراقبة الضخمة، والتي يمكنها مراقبة كل أنحاء مدينة غزة، انطلاقاً من شارع صلاح الدين الذي يبعد أقل من مئة متر عن الخط الأصفر، وصولاً إلى مناطقها الغربية في شارع الرشيد “البحر“.
على الجانب الآخر، تبدو خيارات المقاومة الفلسطينية للتعامل مع هذا التطوّر الجديد والتصدي له، وهو الذي يناقض بنود اتفاق وقف إطلاق النار محدودة ومحفوفة بمروحة واسعة من المخاطر، لا سيّما في ظل مرحلة التعافي التي يحاول كل سكّان غزة العمل من أجلها، والوصول إليها بعد ما مرّوا به خلال العامين الماضيين من كوارث وأزمات.
أحد الخيارات التي يتم اللجوء إليها حالياً هو المراقبة والانتظار، أي مراقبة كل الخروقات الإسرائيلية التي تجري في هذا الملف تحديداً، مُضافاً إليها جملة واسعة من الخروقات الأخرى، والانتظار حتى تبدأ المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل في حال تم التزام العدو بها انسحاباً إلى مناطق قريبة من الحدود الشرقية من القطاع، أي التي تم الانسحاب إليها بعد التوصل إلى تهدئة التاسع عشر من كانون الثاني الماضي.
هذا الخيار يبدو مفضّلاً لدى المقاومة حتى الآن، وهي تحاول من خلالها تفويت الفرصة على العدو لاستئناف عدوانه على غزة، ومنح المواطنين في القطاع المنكوب والمدمر فرصة لالتقاط الأنفاس، واستعادة جزء من حياتهم التي حوّلها الاحتلال إلى جحيم لا يُطاق.
خيار ثانٍ يشير إليه ما جرى في رفح قبل عشرة أيام تقريباً، وهو القيام بتنفيذ عمليات هجومية في المناطق الواقعة داخل الخط الأصفر، تستهدف من خلالها مجموعات نخبوية من المقاومة قوات الاحتلال المرابطة في تلك المناطق، وإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية في صفوفها، وهو ما قد يتطوّر لاحقاً إلى ما يشبه حرب الاستنزاف، والتي تجعل تكلفة بقاء قوات الاحتلال فيها باهظة، وهو ما يشكّل ضغطاً كبيراً قد يؤدي إلى انسحابها منها في وقت لاحق.
ختاماً، ما زلنا نؤمن بأن هذا الاحتلال المجرم، والمدان دولياً بارتكاب جرائم حرب، والمهدّد رئيس وزرائه ووزير حربه الأسبق والعديد من جنرالاته بالملاحقة والاعتقال، لن ينجح في فرض شروطه على الشعب الفلسطيني العظيم ومقاومته الباسلة، وستسقط كما سقطت من قبل كل خططه الشيطانية التي يسعى من خلالها إلى تكريس نفسه سيداً على كل المنطقة، هذه المنطقة التي تملك شعوبها إرثاً حضارياً هائلاً، وإرادة في العيش بحرية كما باقي شعوب العالم، إلى جانب ما تملكه من رغبة في التخلّص إلى غير رجعة من هذه “الدولة” المارقة، وهو الأمر الذي نعتقد بأنه بات قريبا جداً، وأقرب مما يتصوّر كثيرون.



