الانتخابات في قبرص التركية.. من المهزوم؟

بقلم: حسني محلي..
في الوقت الذي يواجه الرئيس أردوغان معارضة عنيفة في الداخل التركي، وهو ما لم يتأثر به بسبب سيطرته على جميع مؤسسات ومرافق الدولة التركية، وبشكل خاص البرلمان والجيش والأمن والقضاء والمال، فوجئ الجميع بالانتصار الكبير الذي حققه مرشح الحزب الجمهوري التركي طوفان أر هورمان الذي أصبح الرئيس الجديد لجمهورية شمال قبرص التركية بعدما حصل على ٦١،٧ ٪ من أصوات الناخبين، وعددهم ٢١٨ ألفاً (توجه ١٤١ ألفاً إلى صناديق الاقتراع) مقابل ٣٥،٨ ٪ للرئيس الحالي أرسين تتار.
واعتبرت الأوساط السياسية هزيمة تيار بهذه النسبة بمنزلة الهزيمة غير المباشرة للرئيس أردوغان الذي استنفر جميع إمكانيات الدولة التركية، سراً كان أم علناً، لدعمه ومنع أر هورمان من الوصول إلى السلطة باعتبار أنه معارض للنهج التركي الرسمي فيما يتعلق بالسياسة القبرصية، كما أنه محسوب على اليسار المعارض لسياسات ومقولات الرئيس أردوغان، وهو أيضاً صديق مقرب من أوزكور آوزال؛ زعيم حزب الشعب الجمهوري في تركيا.
وأعلن أوزال مباركته لانتصار أر هورمان واعتبره “موقفاً واضحاً من الناخبين القبارصة الأتراك ضد تدخلات أنقرة في الجزيرة”، من دون أن يمنع ذلك الرئيس أردوغان من تهنئة أر هورمان معلناً “استمرار دعم أنقرة لجمهورية قبرص التركية باعتبارها قضية قومية لتركيا والأتراك“.
وجاءت المفاجأة الأهم من زعيم حزب الحركة القومية دولت باخشالي، وهو حليف أردوغان، حيث رفض نتائج الانتخابات، وناشد برلمان جمهورية شمال قبرص التركية لعقد جلسة طارئة وعدم الاعتراف بالنتائج واتخاذ قرار الانضمام إلى تركيا فوراً.
ومن المتوقع أن يواجه الرئيس الجديد أر هورمان أزمة جديدة في علاقاته مع أنقرة على الرغم من مقولاته المرنة خلال الحملة الانتخابية ما دامت جمهورية قبرص التركية بحاجة مطلقة لتركيا التي تسيطر على كل شيء في الشطر الشمالي منذ التدخل العسكري التركي في الجزيرة في تموز ١٩٧٤.
يرى اليساريون الأتراك في الصيغة الفيدرالية بكيانين مستقلين الحل المعقول للمشكلة القبرصية في الوقت الذي تدعو أحزاب اليمين المدعومة من أنقرة إلى تقسيم الجزيرة عملياً، وهو الحال عليه منذ خمسين عاماً. وقد فشلت جميع المساعي الدولية والأمريكية والأوروبية في التوصل إلى أيّ حلّ معقول للمشكلة القبرصية بسبب التعنت في موقف أنقرة وأثينا مع استمرار الدعم الأوروبي للقبارصة اليونانيين الذين انضموا إلى الاتحاد الأوروبي عام ٢٠٠٤ بصفتهم يمثلون جمهورية قبرص المعترف بها دولياً، فيما لا يعترف أحد حتى الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي في القوقاز وآسيا الوسطى بجمهورية شمال قبرص التركية التي تشكل العائق الأساسي أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مع استمرار الحصار المفروض على القبارصة الأتراك الذين صوتوا لمرشح اليسار طوفان أرهورمان كرد فعل على فشل سياسات أنقرة في حل مشكلاتهم ومشكلات تركيا التي تنعكس عليهم بشكل مباشر.
في الوقت الذي يبدو واضحاً أن الكيان الصهيوني استغل هذه الظروف السلبية في الشطر الشمالي من الجزيرة، حيث يتحدث الإعلام القبرصي التركي باستمرار عن نشاط سري وعلني للعشرات من الشركات الاسرائيلية أو الأمريكية اليهودية، والتي اشترت مساحات واسعة من الأراضي، وبنت فيها مجمعات سكنية في الوقت الذي تقوم شركة إسرائيلية بتشغيل مرفأ للقوارب السياحية شرق الشطر الشمالي وقبالة السواحل السورية.
ودون أن يهمل الكيان العبري في الوقت نفسه علاقاته الرسمية مع القبارصة اليونانيين بعدما وقع على العديد من اتفاقيات التعاون العسكري والاستخباري مع نيقوسيا التي يقوم جيشها بمناورات مشتركة مع “الجيش” الإسرائيلي في الأراضي والأجواء القبرصية وبالتنسيق والتعاون مع أثينا الحليف الثالث للكيان العبري الذي وقع مع نيقوسيا العديد من الاتفاقيات لتقاسم المياه الدولية بين الطرفين والغنية بالغاز والبترول.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على احتمالات الاتفاق التركي -اليوناني على صيغة ما تساهم بحل المشكلة القبرصية، وحلها لا ولن يكون ممكناً مع استمرار الخلافات بين البلدين فيما يتعلق بالعديد من القضايا، وأهمها تقاسم المياه والأجواء الإقليمية والدولية فوق بحر إيجة وفيه، وحتى لو تجاهل الطرفان الذكريات التأريخية بين اليونانيين والأتراك منذ أن جاء السلطان محمد الفاتح وأخذ القسطنطينية من البيزنطينيين عام ١٤٥٣ وسماها إسطنبول.
ولم يبقَ فيها، بل في جميع أنحاء تركيا الحالية، سوى ١٥٠٠ شخص فقط بعدما كانت الدولة البيزنطينية تسيطر على معظم هذه الأراضي التي استولت عليها الدولة العثمانية، وبعدها امتدّت غرباً لتسيطر على البلقان برمته، حتى كوسوفو والبوسنة وألبانيا وبلغاريا وأجزاء من المجر والنمسا وكل اليونان، وفيها أقلية تركية ترى فيهم أثينا امتداداً للحسابات القومية والدينية لتركيا تحت حكم العدالة والتنمية الذي يتغنى بأمجاد الدولة والإمبراطورية العثمانية التي قضت على الدولة البيزنطينية، فيما دمر مصطفى كمال أتاتورك عام ١٩٢٢-١٩٢٣ أحلام اليونانيين بشكل نهائي عندما طردهم من الأناضول الذي احتلوه بعد الحرب العالمية الأولى، وبدعم من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، وعلاقاتها الآن مع أنقرة تحت حكم الرئيس أردوغان تحددها المصالح، وليس المقولات والشعارات الحماسية، دينية كانت أم طائفية بل وحتى قومية!



