كيف نستثمر شهر رمضان للإقلاع عن المعاصي؟

الفصل الأول: فلسفة الأجر العظيم المذهل على إدراك الشهر الفضيل وعلى كل عمل من أعماله.. فإن المتتبع في الروايات يجد انها تذكر من الثواب، ما لا يحلّق إليه الخيال مهما جنّح، ولنذكر أنموذجاً منها ثم نستعرض بعض وجوه الحكمة الكامنة في ذلك.
عن سعيد بن جبير قال: ((سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: مَا لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حَقَّهُ؟ قَالَ: تَهَيَّأْ يَا بْنَ جُبَيْرٍ حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِمَا لَمْ تَسْمَعْ أُذُنَاكَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَى قَلْبِكَ، فَرِّغْ نَفْسَكَ لِمَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَمَا أَرَدْتَهُ إِلَّا عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ)).
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: (فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَتَهَيَّأْتُ لَهُ مِنَ الْغَدِ، فَبَكَّرْتُ إِلَيْهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَصَلَّيْتُ الْفَجْرَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ).
فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: اسْمَعْ مِنِّي مَا أَقُولُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: ((لَوْ عَلِمْتُمْ مَا لَكُمْ فِي رَمَضَانَ لَزِدْتُمْ لِلَّهِ شُكْراً”، إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْهُ، غَفَرَ اللَّهُ لِأُمَّتِيَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، سِرَّهَا وَعَلَانِيَتَهَا، وَرَفَعَ لَكُمْ أَلْفَيْ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَبَنَى لَكُمْ خَمْسِينَ مَدِينَةً، وَكَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يَوْمَ الثَّانِي بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُونَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِبَادَةَ سَنَةٍ وَثَوَابَ نَبِيٍّ، وَكَتَبَ لَكُمْ صَوْمَ سَنَةٍ، وَأَعْطَاكُمُ اللَّهُ يَوْمَ الثَّالِثِ بِكُلِّ شَعْرَةٍ عَلَى أَبْدَانِكُمْ قُبَّةً فِي الْفِرْدَوْسِ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ فِي أَعْلَاهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنَ النُّورِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ أَلْفُ سَرِيرٍ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ حَوْرَاءُ، يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفُ مَلَكٍ، مَعَ كُلِّ مَلَكٍ هَدِيَّةٌ، وَأَعْطَاكُمُ اللَّهُ يَوْمَ الرَّابِعِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ سَبْعِينَ أَلْفَ قَصْرٍ، فِي كُلِّ قَصْرٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ، فِي كُلِّ بَيْتٍ خَمْسُونَ أَلْفَ سَرِيرٍ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ حَوْرَاءُ، وَمَعَ كُلِّ حَوْرَاءَ أَلْفُ وَصِيفَةٍ، خِمَارُ إِحْدَاهُنَّ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)).
والحديث طويل يذكر فيه أجراً عظيماً مذهلاً على كل يوم.. حتى يصل إلى يوم الثلاثين فيقول: ((فَإِذَا تَمَّ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ بِكُلِّ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكُمْ ثَوَابَ أَلْفِ شَهِيدٍ وَأَلْفِ صِدِّيقٍ، وَكَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ عِبَادَةَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَكَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ بِكُلِّ يَوْمٍ صَوْمَ أَلْفَيْ يَوْمٍ، وَرَفَعَ لَكُمْ بِعَدَدِ مَا أَنْبَتَ النِّيلُ دَرَجَاتٍ، وَكَتَبَ لَكُمْ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَجَوَازًا عَلَى الصِّرَاطِ وَأَمَانًا مِنَ الْعَذَابِ. فَمَنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَفِي أَيِّ شَهْرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ)).
ويكفي أن نتصور بعض أنواع الأجر السابقة:-
1- ((وَرَفَعَ لَكُمْ أَلْفَيْ أَلْفِ دَرَجَةٍ)) أي مليونا درجة ومن البيّن أن الفاصل بين درجة ودرجة هو أكثر من الفاصل بين الأرض والسماء… وكلها مراتب فضل ومِنَح وعطايا ربانية.
2- ((وَبَنَى لَكُمْ خَمْسِينَ مَدِينَةً)) والمدينة تستوعب ما شاء الله من القصور والقصر الواحد وردت في سعته وفخامته وأنواع النعيم فيه روايات لا تخطر مضامينها على عقل بشر.
3- ((وَكَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يَوْمَ الثَّانِي بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُونَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِبَادَةَ سَنَةٍ)) فلنتصور كم من الخطوات نخطوها ونحن صائمون، فلنا بكل خطوة نخطوها ثواب عبادة سنة، ومن الواضح ان المقصود عبادة سنة مقبولة.. وعبادتنا ما أندر ما يقبل منها لكثرة ما يفسدها من عجب ورياء وسمعة وغير ذلك.. وكل صائم في شهر رمضان يحصل بكل خطوة على أجر عبادة سنة مقبولة.
4- ((وَثَوَابَ نَبِيٍّ (عليه السلام)) وهذا عجيب حقاً، ولقد سبق الجواب عن الشبهة الواردة على أشباهه بأن الثواب ثوابان: ثواب الأصل وثواب الفضل، والمراد هنا ثواب الأصل فلا يتنافى مع العدل.
5- وأعداد الحوريات مذهل إلى أبعد الحدود، والأعجب ان خمار إحداهن (الوصائف) خير من الدنيا وما فيها، هذه الدنيا التي نتنازع على شبر منها أو على دنانير ودكاكين وبساتين وكم يُعصى الله فيها مع أن الأرض كلها أقل شأناً ووزناً وقيمة، من خِمار إحدى تلك الوصائف اللاتي يتجاوز عددهن الملايين.
- ما الحِكمة في منح الله تعالى الثواب المذهل؟
فما هو السر في هذا الأجر المذهل وفي سائر النظائر؟ مضت الإجابة في بحث سابق ونضيف إجابة أخرى مبتكرة على ضوء إحدى قوانين الفيزياء.
1- لأن جُوده تعالى لا حدّ له، أما الإجابة السابقة فإيجازها، انّ كرم الله تعالى لا يقاس بغيره.. فإنه جواد كريم وهّاب.. وقد قيّدت حكمته كرمه في الحياة الدنيا.. أما الآخرة فهي مجلى كرمه وعظمته.. وبعبارة أخرى: كما انه جل اسمه لا متناهي ولا محدود فكذلك عطاؤه لا متناهي ولا محدود وقد قال تعالى: (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) بل انه تعالى فوّض إلى نبي من أنبيائه (عليهم السلام) العطاء بغير حساب (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) فما بالك بجوده وكرمه جل اسمه؟.
2- ولقاعدة القصور الذاتي الفيزياوية بعد تكييفها، أما الإجابة الجديدة فهي إجابة تعتمد على قانون من قوانين علم الفيزياء وهو قانون القصور الذاتي الذي يعدّ القانون الأول لنيوتن وهو: انه يظل الجسم في حالة سكون، أو يستمر في الحركة بخط مستقيم وبسرعة ثابتة، ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغير حالته.