اراء

الشرع ولعبة شد الحبل بين ترامب ونتنياهو

بقلم: الدكتور محمد بكر..

لم تكن جولة نتنياهو مع وزير حربه كاتس في الجنوب السوري، جولة استفزازية فحسب كما وصفها ابراهيم علبي السفير السوري في الأمم المتحدة، بل تحمل في طياتها، جملة من الأبعاد والدلالات السياسية ولا سيما بعد مرحلة تواصل فيها الحكومة السورية الجديدة برئاسة الشرع، التشبيك والحراك المكوكي بنجاح لجهة بناء علاقات دولية متينة مع الكبار، كان آخرها الزيارة التي قام بها الرئيس الشرع للبيت الأبيض ولقائه بترامب وتبادل الهدايا والمشهد الاستثنائي لرش العطر الذي قام به ترامب تُجاه الشرع ووزير خارجيته الشيباني، ما أثار قريحة نتنياهو وكاتس في اجتماع المجلس الأمني المصغر ليقولا: أن “الشرع عاد من واشنطن منتفخاً ومغروراً ومتعطراً ويقوم بأفعال لا يمكن أن ترضى بها تل أبيب”.

من هنا يمكن القول، إن أفعال الشرع التي تحدث عنها نتنياهو لا تنحصر فقط بوصول المفاوضات السورية الإسرائيلية إلى طريق مسدود وتمسك الجانب السوري بانسحاب اسرائيل من كافة الأراضي التي سيطرت عليها قبل سقوط النظام والعودة لاتفاقية فض الاشتباك عام 1974 كشروط أساسية قبل الحديث عن أي اتفاق أمني بين الجانبين، بل أيضاً في سلوك الشرع وما رسمه خلال الفترة الماضية في مشهد العلاقات الروسية السورية والزيارة التأريخية التي قام بها الشرع لموسكو بالإضافة إلى زيارات متكررة لضباط رفيعي المستوى بين الجانبين ومن هنا نقرأ ونفهم انزعاج نتنياهو كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية لجهة اتفاق الشرع مع الروس على نشر قوات روسية على الحدود الإسرائيلية السورية .

قلق نتنياهو ينبع من احتمالية أن تفضي العلاقات الدولية التي يرسخها الشرع مع واشنطن في مرحلة قادمة إلى ضغط أميركي كبير على الجانب الإسرائيلي، لتطبيق شروط الجانب السوري، وكذلك أن تُفضي العلاقات الروسية السورية الجديدة إلى تَصدُّر روسيا لمهمة بناء الجيش السوري وتزويده بدفاعات جوية متطورة قادرة على ضبط اي تهديدات إسرائيلية محتملة .

ما يجري اليوم بين نتنياهو وترامب هو يمكن توصيفه بلعبة “شد الحبل” يبدو فيها الرئيس الأميركي وهو يشد الحبل باتجاه فرض حلول تسوية بين الرؤوس الحامية في منطقة الشرق الأوسط، لا تُعجب في مضمونها ونتائجها نتنياهو الذي يشد بدوره الحبل باتجاه مزيد من خلط الأوراق والتصعيد في عدة جبهات سواء في سوريا وعودة القصف على غزة وكذلك على جنوب لبنان الذي قد يشهد خلال أيام مواجهة مباشرة بين حزب الله واسرائيل .

العلاقات الأميركية الإسرائيلية ليست في أحسن أحوالها هذه الأيام، ولاسيما مع وجود شخص مثل ترامب لا يرى الأمور إلا من منظور المصلحة و”البيزنس” البحت، إذ لا يبدو فيه الرجل أي ترامب بأنه سيقف مكتوف الأيدي حيال “حماقات” نتنياهو التي كادت أن تُطيح بالمصالح الأمريكية القطرية بعد القصف الإسرائيلي للعاصمة القطرية الدوحة.

ما بين “حماقات” نتنياهو وخطط ترامب يتأرجح المشهد الغارق بتفاصيل معقدة تحكم العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وإن لم نُغفَل الحضور الوازن للأيادي الإسرائيلية المتنفذة في الداخل الأميركي لكن ثمة في النهاية خطوطاً حُمر ومحددات ترسمها فقط الولايات المتحدة التي قدمت للتو خطتها لإنهاء الحرب في أوكرانيا بالقوة .

صفيح المنطقة الذي يُسخّنه نتنياهو ظناً منه أن يكون ذلك طوق النجاة والخلاص، ربما يكون هو نفسه أول المحترقين به وقد تلقى رسائل واضحة على لسان ترامب بأن استمراره في ذات الاستراتيجية قد يُفقده أي دعم أميركي وسيكون في مواجهة العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى