هل مهمة تركيا هي تقسيم المقسم في الشرق وصولا إلى القرن الأفريقي؟

بقلم: علي وطفي..
وقعت تركيا منذ فترة، عقداً مع بريطانيا لشراء 20 طائرة مقاتلة من طراز “يوروفايتر تايفون ترانش 4” بقيمة 7.2 مليار دولار، ومن المقرر أن تبدأ عمليات تسليم الطائرات المقاتلة إلى تركيا في أوائل عام 2026. وفي غضون ذلك، ستدفع الحكومة التركية 2.1 مليار جنيه إسترليني زيادة عن سعر السوق لشراء 20 طائرة مقاتلة من طراز يوروفايتر تايفون، إن تعزيز التعاون العسكري التقني بين أنقرة ولندن هو توجه مهم نحو تعزيز البريطانيين نفوذهم ومكانتهم في العديد من المناطق المجاورة لتركيا التي تربطها مع بريطانيا علاقة وثيقة عميقة وسر غامض، وأيضا الصحافة الأمريكية أشارت أيضا إلى تنامي دور أنقرة الإقليمي والدولي، وأن أردوغان حول تركيا إلى لاعب لا غنى عنه في السياسة العالمية بفضل العلاقة الاستراتيجية التي بناها مع الغرب إلى درجة أن أردوغان أصبح لاعبا لا غنى عنه، لا شك أن العلاقات الاستراتيجية التي بناها أردوغان على الساحة الدولية، تراكمت وزادت من نفوذ تركيا الاقتصادي والدبلوماسي، على الساحة الدولية وهو السبب في ادعاء أنظمة الغرب عدم قدرتهم قطع العلاقات مع وريث السلطنة العثمانية.
قد يكون لهذه الحجة شيء من الحقيقة نظراً لاتفاق واشنطن ولندن في الإدارة السياسية بشكل كبير تُجاه الشرق المتوسط في المرحلة الأخيرة، عبرت عنها ومازالت التصريحات الأخيرة للممثل الخاص للرئيس الأمريكي للمنطقة وسفيره لدى تركيا، توم باراك: “لا حدود نهائية ثابتة للشرق وبتصريح آخر مقلق مفاده، أن البريطانيين والفرنسيين أنشأوا الدول القومية عام 1916 وتوقيعهم اتفاقية سايكس بيكو، كانوا يقولون: “حسناً، سنأخذ الإمبراطورية العثمانية ونرسم خطوطا مستقيمة حول الأراضي، ونسميها دولا وطنية”، وتبدأ العملية بالفرد أولا، ثم العائلة، ثم القرية، ثم القبيلة، ثم المجتمع، ثم الدين وتابع السفير الأمريكي في أنقرة، واصفا المنطقة بنفسه: “وفي النهاية تشكل الكيانات الأمة”.
إذا هناك توجه من الولايات المتحدة، أو بالأحرى من الأنغلوسكسون للقضاء نهائيا على مشروع “دول الشرق الأوسط الوطنية” ويوجهون رسائل تهديدية إلى النخب السياسية فيها واضحة: “لا تنسوا أن سيادتكم مشروطة الآن بمدى رضاها عنكم” بعد تجربة ما يسمى “الربيع العربي”، الذي منح حق للإسلاميين المتشددين إسقاط “الحكام المستبدين”، سواء في تونس أو ليبيا أو مصر أو سوريا، أما المستبدون تحت مظلة واشنطن خارج هذا السيناريو، لا يهم تحديدا من يشغل البيت الأبيض، أو من يحكم الكونغرس، والمسؤول عن السياسة الخارجية الأمريكية ديمقراطيون أم جمهوريون، النتيجة واحدة: لا يزال اللاعبون من خارج المنطقة، يثبتون حقهم في التدخل السافر في شؤون آسيا وأفريقيا وبناء على ذلك، يبدو أن واشنطن ولندن توحد جهودهما، حيث تتولى تركيا دور المنفذ المكلف بهذه المهمة القذرة، بدليل أن هذه التصريحات لم تلقَ أية ردة فعل من النظام التركي وكما العادة في السياسة ما يقال يتم العمل يعكسه، فالنظام التركي ينتظر جزءاً من كعكة المشرق في العراق، سوريا والخليج في قادم الأيام حتى السودان إلى جيبوتي والصومال، وهذا أكثر وضوحاً يتجلى في دوره في تقسيم ليبيا ومنع إعادة تشكيل كيان موحد لقاء دوره في تجزئة المجزأ وفق مصطلحات مبطنة من اللامركزية والفيدرالية وسوف يرضخ في النهاية لمطالب شرق الفرات وفق ضوابط قاسية، إلى حين صدور قرار مستقبلي يحدد مستقبل تركيا نفسها وتوضع على مشرحة التقسيم بعد انتهاء مهمة الأنغلوسكسون في جوارها الجغرافي وهو هدف تشترك في الوصول إليه إسرائيل، واضح أن طلبات تل أبيب هي أوامر عند حكام واشنطن والغرب وهو ما يقوم به ترامب بوقاحة وفي العلن والاختلاف هو في الأسلوب لا أكثر مع الديمقراطيين.
دور تركيا في نظر الغرب تعاظم بعد الاشتباك العسكري الإيراني الإسرائيلي ونتائجه خلق واقعا محتدما وارتفاع مستوى التوترات في الخليج العربي ومضيق هرمز، حيث تتقاطع طرق الطاقة والتجارة الرئيسة، مما جعل شرق البحر الأبيض المتوسط ممراً فائق الأهمية وبديلاً لتوريد الطاقة، وبالتالي تبرز أهمية تركيا، التي تشرف ولها نفوذ بحري يمتد من الشمال إلى سواحل ليبيا والقرن الأفريقي، إذا واضح أن هناك توزيع أدوار بين أنقرة وتل أبيب، حيث لم تقطع شعرة معاوية بينهما خلال سنتين وأكثر من حرب الإبادة بحق الفلسطينيين، حتى لم تجرؤ على طرد السفير الاسرائيلي أو قطع العلاقات بين مزدوجي المشكلة أن ترامب فلته في السياسة عندما قال مؤخرا: “أردوغان ونتنياهو طلبا منه رفع العقوبات عن سوريا” بعد أن ساهما في الانقلاب وإخراج النظام السابق من السلطة وعدم معارضة روسيا في اللحظات الأخيرة بل إقناعها وضمان مكاسبها بشكل ما مع السلطة الجديدة وهو حصل لاحقاً بمعنى أن (سوية قد دفنا الشيخ زنكي) وأيضا فشلها في ابتلاع ولاية شام شريف إلا بموافقة اسرائيلية ومؤازرة أمريكية رغم التصريحات العدائية نحو تل أبيب، علما لو أن النظام التركي قرر انسحابه من المناطق التي احتلها من شمال سورية بعد أن أصبح رجله في قصر الشعب لإسقاط الحجة على بقية الأطراف المحتلة لأجزاء من سورية وأثبت أن لا أطماع له في شمال سورية أو كاملها، إنما ما حصل هو العكس حيث مدد البرلمان التركي احتلاله لأراضي سورية من نحو الشهر لثلاث سنوات في الشمال السوري رغم ادعائه أن مع وحدة سورية أرضا وشعبا .
من جهة أخرى، تمكنت تركيا في الأشهر الأخيرة من إقامة علاقات جيدة وشراكة في بعض الحالات مع منافستها القديمة المتجددة مصر إلى درجة إن القاهرة وأنقرة زادت دعمهما المشترك للقوات المسلحة السودانية عقب سقوط الفاشر في قبضة مسلحي قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات، ويعد التعاون المباشر بين الاستخبارات المصرية والتركية في السودان مثالاً نادراً على التقارب بين الخصمين الإقليمين كما زادت تركيا دعمها للجيش السوداني بأموال النظام القطري منذ عام 2024 بطائرات مسيرة وصواريخ جو-أرض ومراكز قيادة، ومشاركة كوادر تركيا في تشغيل الطائرات المسيرة في السودان أيضًا.
باختصار، ما كان لمثل هذا التعاون بين الجانبين التركي والسوداني أن يتحقق، لولا ضمانات قوية من جهات فاعلة إقليمية مؤثرة، وكما هو معروف، تعود العديد من الاتصالات البريطانية السودانية إلى عهد الحكم البريطاني الكامل في هذا الجزء من أفريقيا.



