اراء

الفاشر تكشف الوجه القبيح للتدخلات الخارجية في السودان

بقلم/ مصطفى جواد..

في قلب دارفور، وتحديداً في مدينة الفاشر، يتجلى المشهد السوداني بأدق تفاصيله وأكثرها مرارة؛ مدينة تحولت إلى مرآة تعكس حجم المأساة الوطنية وتكشف، بوضوحٍ فاضح، الوجه القبيح للتدخلات الخارجية التي مزقت السودان إلى جبهاتٍ ومصالح متناحرة.
الفاشر التي كانت يوماً منارة للتعايش بين القبائل ومركزاً تجارياً نابضاً بالحياة، أصبحت اليوم ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. فكل طرف خارجي يمد يده نحو السودان يزعم أنه يحمل “حلاً”، بينما لا يحمل في حقيبته سوى أدوات النفوذ، والسلاح، والمال السياسي. وهكذا، أصبح السودان حقلاً لتجارب الدول الباحثة عن موطئ قدم في القارة الإفريقية، ومعبراً لمشاريع النفوذ بين الشرق والغرب.
من ليبيا إلى تشاد، ومن إريتريا إلى بعض العواصم البعيدة التي تدير المشهد عبر وكلاء محليين، تدفقت الأسلحة والتمويلات تحت شعاراتٍ إنسانية ظاهرها الرحمة وباطنها الهيمنة. وكلما ازداد التورط الخارجي، ازداد نزيف الداخل، وتراجعت فرص السلام التي كانت تُبنى بدماء السودانيين أنفسهم لا بصفقات الفنادق والعواصم.
ما يجري في الفاشر اليوم ليس مجرد صراعٍ على الأرض، بل صراع على هوية السودان وسيادته. فالأطراف المتنازعة تتغذى على دعمٍ خارجيٍ يطيل أمد الحرب ويحول معاناة المدنيين إلى ورقة ضغط في لعبة الأمم. ومشهد النزوح والجوع والدمار ما هو إلا نتيجة مباشرة لغياب الإرادة الوطنية المستقلة وسط ضجيج المصالح الخارجية.
إنّ مأساة الفاشر تضع المجتمع الدولي أمام اختبارٍ أخلاقي صعب: هل يريد حقاً إنهاء الحرب، أم أنه يكتفي بإدارتها من بعيد؟ وهل سيستفيق السودانيون من سباتهم ليغلقوا أبوابهم في وجه المتدخلين ويصيغوا مستقبلهم بأيديهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى