اخر الأخباراوراق المراقب

هل نحمل بعض سمات أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)؟

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿مُّحَمَّد رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم﴾.

هنا تتّضح معالم المجتمع الإسلامي، والقضيّة الأُولى المذكورة هي صحبة الرسول والإيمان به. والقضيّة الثانية هي الشدّة على الكفّار، أي القوّة أمام الأجنبي. وإذًا هؤلاء المتنسّكون الثاوون في المساجد، يكفي جندي واحد ليسوق ألفًا من هؤلاء بلا أن ينبس أحدٌ منهم ببنت شفة، لأنهم ليسوا مسلمين.

الشدّة على العدوّ

إحدى الصفات التي يجب أن يتّصف بها المسلم، وهي الصفة الأولى التي يذكرها له القرآن هي الشدّة والقوّة والصلابة مع العدوّ؛ فالإسلام لا يحبّ المؤمن الضعيف.

﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلأَعلَونَ إِن كُنتُم مُّؤمِنِين﴾.

الإسلام دين لا ضعف فيه. يذكر ويل ديورانت في كتابه “قصَّة الحضارة”: “لم يدعُ دين أتباعه إلى القوّة كالإسلام”. فالمسكنة، وثني الرقبة، وإسالة اللّعاب من جانب الفم، وانهدال الثوب، والثياب القذرة، وخطّ الأرجل بالأرض، وأذيال العباءة تكنس الأرض، هذه مظاهر معادية للإسلام. والتأوّهُ والتوجّع منافٍ للإسلام: ﴿وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾ إنّ الله منحك القوّة والقدرة والصحّة والسلامة، وجعلك قادرًا على أن تمشي منتصب القامة، فلماذا تحني ظهرك بلا سبب، وما دمت قادرًا على رفع رأسك فلماذا تلوي رقبتك، ولماذا تتأوّه؟

التأوّه يعني أنّك تعاني  الألم، وما دام الله قد عافاك من الألم، فلماذا تتأوّه؟ هذا كفر بالنعمة!

هل كان عليّ عليه السلام يمشي كما نمشي أنا وأنت، وهل كان يجرّ أذيال عباءته وراءه ويترنّح في مشيته؟ هذه الأفعال ليست من الإسلام في شيء.

المودّة فيما بينهم

ولكن كيف تكون علاقتهم فيما بينهم وبين إخوانهم المسلمين؟ ﴿ رُحَمَاءُ بَينَهُم ﴾. ولكن حينما ننظر إلى هؤلاء المتنسّكين لا نجد فيهم شيئًا من هذه الصفة؛ فلا مودّة ولا رحمة تُجاه الآخرين فوجوههم عابسة دائمًا، فلا يتفاعلون مع أحد، ولا يخالطون أحدًا، ولا يضحكون مع أحد، ولا يبتسمون مع أحد، وكأنّ لهم المنَّة على كلّ البشر. هؤلاء ليسوا مسلمين، هؤلاء لصقوا أنفسهم بالإسلام.

هذه هي الصفة الثانية، ألا تكفي هذه الشدّة على الكفّار والرحمة مع المسلمين، ألا تكفي هذه ليكون المرء مسلمًا؟ كلّا.

الركوع والسجود لله

﴿ تَرَىٰهُم رُكَّعا سُجَّدا يَبتَغُونَ فَضلا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضوَٰنا ﴾.

في نفس الوقت الذي يكون فيه هذا الشخص شديدًا على الكفّار ورحيمًا مع المسلمين، تراه في محراب الصلاة راكعًا ساجدًا ﴿ يَبتَغُونَ فَضلا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضوَٰنا ﴾، يدعو ربّه لينال رضاه. نحن طبعًا لا نريد القول بوجود فرق بين الدعاء والعبادة؛ فالدعاء عبادة، والعبادة دعاء، ولكن أحيانًا يكون العمل دعاءً صرفًا؛ أي أنّ العبادة تكون دعاءً فقط، وأحيانًا أخرى يمتزج في العبادة الدعاء وغيره. وهناك عبادة أخرى ليست دعاء أساسًا كالصلاة مثلًا.

﴿ سِيمَاهُم فِي وُجُوهِهِم مِّن أَثَرِ ٱلسُّجُود﴾، أي أنّ المرء يعبد الله حتّى تتّضح آثار العبادة وآثار التقوى على وجناته وعلى وجهه، وكلّ من ينظر إليه يستشعر في وجهه معرفة الله وذكر الله، ومن يقع بصره عليه، يذكر الله.

جاء في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الحواريّين سألوا عيسى بن مريم (عليهما السلام): “يا روح الله من نجالس؟” فقال: “من يذكّركم الله رؤيتُه ويزيد في علمِكم منطقُه ويرغّبكم في الخير عملُه”.

العبادة والتحرّر

جاء في نصّ القرآن الكريم أنّ أحد الأهداف التي بُعث من أجلها الأنبياء هو تحرير بني الإنسان اجتماعيًّا، واستنقاذهم من العبوديّة لأحدهم الآخر.

وإحدى الملاحم التي ينفرد بها القرآن الكريم هي قضيّة الحرّيّة الاجتماعيّة.

لا نتصوّر وجود جملة عميقة ونابضة بالفاعليّة أكثر من الجملة الواردة في القرآن الكريم في هذا الصدد، ولا يمكن العثور-لا في القرن الثامن عشر ولا في القرن التاسع عشر ولا في القرن العشرين، أي القرون التي رفع فيها الفلاسفة شعار تحرير الإنسان، وصارت هذه الكلمة متداولة على الألسن أكثر من اللازم، وغدت شعارًا يتغنّى به الجميع-على جملة أكثر بلاغًا ممّا ورد في القرآن، وهو قوله تعالى:

﴿ قُل يَٰأَهلَ ٱلكِتَٰبِ تَعَالَواْ إِلَىٰ كَلِمَة سَوَاءِ بَينَنَا وَبَينَكُم أَلَّا نَعبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشرِكَ بِهِۦ شَيا وَلَا يَتَّخِذَ بَعضُنَا بَعضًا أَربَابا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى