اراء

أية تحديات تواجه اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟

بقلم: أحمد عبد الرحمن..

لا يخفى على أحد ولا سيّما من المختصين والمراقبين أن التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة قد جاء بشِق الأنفس، إذ إن الجهود التي كانت تُبذل خلال الأشهر التي تلت انهيار اتفاق التاسع عشر من كانون الثاني الماضي كانت تُواجه بمروحة واسعة من المعوقات والصعوبات، وقف وراء معظمها إن لم يكن جميعها العدو الصهيوني برئاسة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، الذي وجد في استمرار تلك الحرب مخرجاً آمناً يجنّبه الكثير من المشاكل والأزمات، والتي تقف على رأسها قضايا الفساد الثلاث المرفوعة ضده في المحاكم الإسرائيلية، وتشكّل بالنسبة له كابوساً مرعباً يحاول الفكاك منه بكل الطرق والوسائل.

وفي حقيقة الأمر، يمكننا أن نلحظ وجود الكثير من التحديّات التي تقف في وجه استمرار هذا الاتفاق الشائك والمعقّد، والذي يرى الكثيرون أن قبول المقاومة الفلسطينية به جاء على قاعدة “مُكرهٌ أخوكَ لا بَطل”، خصوصاً في ظل اشتداد حرب الإبادة والتدمير التي ازدادت وتيرتها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وكانت تهدّد بتدمير كامل مدينة غزة، وتهجير مئات الآلاف من سكّانها نحو المجهول.

صحيح أن معظم التوقّعات تشير إلى استبعاد فرضية العودة إلى مربع الحرب الشاملة نتيجة الكثير من المتغيّرات، إلا أن هذا الأمر لا ينفي إمكانية أن تتّجه الحرب نحو سيناريوهات جديدة، منها على سبيل المثال الذهاب نحو النموذج اللبناني الذي يعني أن تتحوّل الحرب الواسعة التي كانت تجري براً وجواً وبحراً إلى هجمات جويّة موجّهة، تُستهدف فيها مناطق بعينها، إلى جانب العودة لسياسة الاغتيالات ضد كوادر المقاومة، وهذا الخيار وارد وممكن كما حدث في الأسبوع الماضي بعد الادّعاء الإسرائيلي بوقوع هجوم عسكري في مدينة رفح المخلاة والمدمّرة.

على كل حال، وبعيداً من السيناريوهات المُتوقّعة، والتي يبدو بعضها متشائماً بعض الشيء، دعونا نستعرضْ جزءاً من التحدّيات التي يواجهها اتفاق غزة، والتي قد تهدّد بانهياره بشكل تام، أو على أقل تقدير تفريغه من مضمونه، وجعله يخدم الجانب الصهيوني فقط، والذي يبدو أن شهيته ما زالت مفتوحة للنيل من دماء الفلسطينيين، خصوصاً في ظل حكم الائتلاف اليميني المتطرّف.

أولاً /غياب الالتزام الإسرائيلي:

بعد دخول الاتفاق أسبوعه الثالث ما زال غياب الالتزام الإسرائيلي ببنوده واضحاً وملحوظاً، حيث يبدو هذا الغياب مقصوداً وممنهجاً كما جرت العادة في اتفاقات سابقة، حرص خلالها العدو على كسر العديد من الخطوط الحُمْر التي تشكّل عصب تلك الاتفاقات، وهو بذلك يسعى إلى إظهار نفسه بأنه صاحب اليد العليا، التي تتحكّم وتسيطر على كل التفاصيل، وتفرض ما تريده رغماً عن أنف الطرف الآخر.

ثانياً/ ضبابية الموقف الأمريكي:

على الرغم من الإعلان الأمريكي المتكرّر بضرورة احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ووجوب التزام جميع الأطراف به، والاستعداد للانتقال إلى المرحلة الثانية منه، إلا أن الترجمة الفعلية لهذا الموقف على أرض الواقع لا تبدو بالشكل المُتوقّع والمأمول، إذ يغيب رد الفعل الأمريكي المُنتظر على جملة الاختراقات الإسرائيلية، ويسود الصمت المريب إزاء ما يقوم به العدو من اعتداءات، بل نشهد في الكثير من الأحيان تبريراً أميركياً لاستمرار العدوان، وحرفاً للحقائق وتزويراً للوقائع، وهو الأمر الذي يُلقي كثيراً من الشك حول حقيقة هذا الموقف، ويضعه في خانة الاتهام، كما هو الحال بالنسبة لحليفه الصهيوني، الذي يضرب عُرض الحائط كل ما تم التوصّل إليه من اتفاقات.

ثالثاً/ عجز الوسطاء:

في الاتفاق الحالي الذي شارك في وساطته كلٌ من مصر وقطر وتركيا، بدا لوهلة ما أن هؤلاء الوسطاء سيكونون قادرين على القيام بما لم ينجحوا فيه من قبل، إلا أن الأوضاع على الأرض بعد أسبوعين من بدء الاتفاق تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن الأمور لم تتغيّر، بل ربما ازدادت سوءاً عما كان يحدث في المرات السابقة، ولا سيما أن العدو الصهيوني يتعامل مع ما تم التوصّل إليه من اتفاق بأنه إنجاز خالص وحاسم، وأن عليه استثماره خصوصاً لناحية الاستمرار في فرض سيطرة عملياتية على أكثر من نصف قطاع غزة، والتحكّم في كل ما يدخل ويخرج من هذا القطاع الصغير والمنكوب والمُحاصر.

رابعاً/استمرار الانقسام الفلسطيني:

منذ وقوع الانقسام الفلسطيني عقب أحداث منتصف العام 2007 الدامية، والتي سيطرت بعدها حركة حماس على مقاليد الحكم في قطاع غزة بعد طرد السلطة الفلسطينية منه، ألقى هذا الانقسام بظلال قاتمة على مجمل المشروع الوطني الفلسطيني، وترك آثاراً كارثية على كل ما يتعلّق بحياة المواطنين في القطاع، والذين تحمّلوا عبء هذا الانقسام طوال أكثر من ثمانية عشر عاماً مضت.

على كل حال، ومع أننا نتمنى كما كل أهالي قطاع غزة المنكوب أن يستمر وقف إطلاق النار، وأن ينعم السكّان والمواطنون بفترة من الراحة لالتقاط أنفاسهم، والاستعداد لمرحلة لا نراها أقل خطورة وحساسية من الحرب وهي مرحلة الإعمار والبناء، ورفع الحصار، إلا أن الواقع للأسف لا يشير إلى قرب حدوث ذلك، فما أشرنا إليه من تحدّيات وغيرها مما لا يتّسع المجال لذكره قد تُسقط هذه الأمنيات أرضاً، وقد تنسف كل الأحلام الوردية التي راودت الفلسطينيين بعد الإعلان عن الاتفاق الذي طال انتظاره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى