اراء

للحق دولة

بقلم/ د. ياس خضر..
في العراق، لم تكن المأساة يومًا في غياب الشعارات، بل في خيانة معناها. كثر الذين تحدثوا عن الدولة، عن القانون، عن الإصلاح، لكنْ قليلون من آمنوا فعلًا أن الحق يمكن أن يكون دولة. أن بناء المؤسسات لا يبدأ من فوق الكراسي، بل من تحتها، وأن المواطنة لا تُمنح بالمجاملة، ولا السيادة يُستعان عليها بالخارج، ولا العدل يُصاغ بمزاج الحاكم.
اليوم، يقف الشعب من جديد على عتبة انتخابات قد تكون كغيرها، وقد تكون مختلفة فقط إنْ تغير مزاج الناس لا مزاج المرشحين. في هذا الظرف، يخرج صوتٌ واضح لا يساوم ولا يلتف. صوت يضع الدولة فوق كل اعتبار، ويعيد تعريف الوطنية بعيدًا عن الشعارات المستهلكة. هذا الصوت يقول ببساطة: للحق دولة
للحق دولة حين يكون القضاء مستقلًا لا يُدار من المكاتب الخلفية. حين تكون الإدارة أداة خدمة لا وسيلة سلطة. حين تكون الوظيفة تكليفًا لا غنيمة. حين يكون السلاح بيد الدولة لا فوقها. حين يكون المال العام خطًا أحمر لا مصرفًا مفتوحًا للمقربين.
من يرفع هذا الشعار هي حركة حقوق المشاركة بالانتخابات البرلمانية المقبلة بالرقم 251 والتي لاتعِدُ الناس بالمعجزات ولا تتكلم بلغة العواطف. بل تتحدث بلغة الدستور، بلغة المؤسسات، بلغة البناء الحقيقي الذي يبدأ من الإنسان لا من الأبراج. شعارها لا يدّعي الطهارة في زمن الفساد، لكنه يطرح مشروعًا بديلًا، واقعيًا، قائمًا على إعادة الاعتبار لفكرة الدولة نفسها، لا سلطتها فقط.

في هذا الزمن المشوش، يصبح دعم من يطالب بالحق كدولة هو الخيار الأخلاقي الوحيد. ليس لأنه معصوم، بل لأنه لا يتاجر بآلامنا. لأنه لا يقايض الدماء بالمناصب، ولا يجعل من الخارج مرجعية فوق الإرادة الوطنية. لأنه ببساطة، يريد للعراق أن يكون دولة لا ساحة، وطنًا لا ساحة تصفية حسابات.

صوتك ليس فقط ورقة، بل شهادة موقف. وموقفك اليوم يجب أن يكون مع من يؤمن أن هذا البلد لا يقوم إلا على عدالة متساوية ومؤسسات محمية من التبعية والمصالح والخراب.
للحق دولة، ومن ينادي به لا يطلب شيئًا لنفسه، بل يطالب بدولة لنا جميعًا. دولة لا تستثني أحدًا ولا تنحاز لأحد، إلا للحق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى