اخر الأخبارالنسخة الرقميةتقارير خاصةسلايدر

بطاقات الرواتب الإلكترونية تكشف عن ارتفاع هائل بأعداد الموظفين

ثقلهم يجثم على صدر الموازنة


المراقب العراقي / أحمد سعدون..
مع إعلان البنك المركزي العراقي عن تجاوز عدد بطاقات الموظفين الموطنة حاجز الـ5.6 ملايين بطاقة، يُفتح الباب واسعاً أمام نقاش اقتصادي وإداري حساس حول حجم التوظيف الحكومي في العراق، وأثره المباشر على الموازنة العامة، وسط اتهامات مستمرة بأن التوظيف بات أداة سياسية وانتخابية أكثر من كونه حاجة وطنية أو تخطيطاً استراتيجياً.
الرقم الصادر عن البنك المركزي لا يُعد مجرد إحصائية تقنية، بل يكشف عن تضخم واضح في عدد الموظفين الحكوميين مقارنة بحجم السكان والإنتاجية الفعلية، فالعراق، الذي يبلغ عدد سكانه نحو 46 مليون نسمة، يخصص أكثر من 40% من موازنته التشغيلية لرواتب الموظفين والمتقاعدين والمخصصات، وهو رقم يفوق ما تخصصه معظم الدول ذات الاقتصادات المماثلة.
هذا التوسع الواضح في التوظيف الحكومي، لا سيما في السنوات الأخيرة، ترافق مع غياب تام لخطط إعادة هيكلة القطاع العام أو ترشيقه، مما جعل من التوظيف وسيلة لامتصاص البطالة الظاهرة، على حساب تفاقم البطالة المُقنّعة داخل المؤسسات.
ويرى مختصون في الشأن الاقتصادي والإداري أن نسبة كبيرة من التعيينات التي جرت خلال السنوات الماضية، جاءت بدوافع سياسية وانتخابية، إذ تحولت الوظائف العامة إلى وسيلة للترضية وشراء الولاءات، سواء عبر الدرجات الوهمية أو التعيينات المؤقتة وغير المخططة التي تنشط قبل كل استحقاق انتخابي.
ويؤكد المختصون أن تضخم الجهاز الإداري في العراق لم يكن ناتجاً عن توسع حقيقي في الخدمات أو الحاجة إلى الكفاءات، بل عن ضغوط حزبية وأجندات انتخابية دفعت باتجاه زج الآلاف في مؤسسات تعاني أصلاً ضعفَ الإنتاجية وانعدام التخطيط.
وأشاروا الى أن تحويل الرواتب إلى بطاقات موطنة خطوة جيدة في طريق الشفافية والتحول الرقمي، لكنها في الوقت ذاته كشفت بوضوح حجم الترهل الإداري والبطالة المقنعة، حيث يتقاضى كثير من الموظفين رواتب دون أداء حقيقي، وبعضهم لا يحضر إلى دوامه أساساً.
ولفتوا الى أن التوسع في التوظيف الحكومي يضع الموازنة العامة تحت ضغط مستمر، خصوصاً في ظل التذبذب بأسعار النفط التي يعتمد عليها العراق بنسبة تفوق 90%. وتذهب توقعات مراقبين إلى أن الاستمرار بهذه السياسة قد يعرقل أي مسعى لإصلاح اقتصادي حقيقي، بسبب استنزاف الموارد في بند الرواتب على حساب الإنفاق الاستثماري والتنمية.
وحول هذا الموضوع أكد الخبير الاقتصادي د.فالح الزبيدي في حديث لـ”المراقب العراقي” أن إعلان البنك المركزي العراقي عن وصول عدد بطاقات الموظفين الموطنة إلى أكثر من خمسة ملايين بطاقة بمثابة صدمة اقتصادية وإدارية كبرى، عكست الحجم الحقيقي للترهل الوظيفي في مؤسسات الدولة .
وأضاف أن “هذا الرقم الضخم يُعد مؤشراً خطيراً على تحول موظفي الدولة إلى عبء متزايد، تغذيه التعيينات الحزبية والانتخابية، لا الاحتياجات الفعلية ، مؤكدا أن التضخم الوظيفي يهدد الموازنة ويعمق البطالة المقنعة”.
ولفت الزبيدي الى أن “التعيينات التي تبنتها الحكومة خلال الأعوام السابقة، كانت السبب الأساس في زيادة الموازنة التشغيلية بحدود 8 تريليونات دينار شهريا أي نحو 6 مليارات و107 ملايين دولار”.
وشدد على “ضرورة تنشيط القطاع الخاص لتقليل الحركة تجاه القطاع الحكومي، بالإضافة الى تطبيق التعرفة الجمركية التي ستعطي أولوية للمنتج المحلي على المستورد في التنافس السعري”.
فيما حذر مراقبون من أن عدم معالجة هذا التضخم يؤدي إلى مشكلات مالية أعمق، مثل عجز دائم، وتراجع القدرة على تمويل الخدمات الأساسية، وتنامي الديون، مشددين على ضرورة تبني الحكومة العراقية استراتيجية شاملة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري، تبدأ بحصر حقيقي للوظائف الفعلية، ووقف التعيينات العشوائية، وربط أي توظيف جديد بخطط التنمية والاحتياج الفعلي، بعيداً عن الحسابات السياسية.
كما طالبوا بتفعيل القطاع الخاص بوصفه البديل الطبيعي لتوفير فرص العمل، وتقليل العبء عن الدولة، مؤكدين أن المراهنة على الدولة كصاحب العمل الأول لم تعد مجدية، وأن الحل يكمن في بناء اقتصاد منتج يوظف الموارد لا يستنزفها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى