اراء

ترندات وهميّة

بقلم: سمير السعد..

في عالم الرياضة، ولا سيّما كرة القدم، تتجاوز اللعبة كونها مجرّد منافسة داخل المستطيل الأخضر، لتصبح قضيّة رأي عام ومتنفسًا للجماهير، ومجالاً رحبًا للتعبير عن الانتماء والشغف الوطني.

كرة القدم العراقيّة لم تكن يومًا، بعيدة عن نبض الشارع، فهي جزء من الهويّة الجمعيّة ومصدر للفرح والحزن على حدٍّ سواء، ومن هنا يبرز دور الإعلام الرياضي كجسر يربط الجماهير باللاعبين والإدارات والاتحادات، وهي مسؤوليّة أخلاقيّة ومهنيّة بالدرجة الأولى، لأنه لا ينقل المعلومة وحسب، بل يُسهم في بناء وعي الجمهور وتشكيل الرأي العام.

الإعلام في هذا الميدان مطالب بأن يكون محايدًا، رصيناً، متزناً، بعيدًا عن الانفعال والتهريج، وأن يقدّم صورة مُشرقة عن الرياضة العراقيّة مهما كانت التحدّيات.

غير أنّ المشهد الإعلامي الرياضي في العراق، بدأ يشهد ظواهر سلبيّة مقلقة، تجسّدت في بعض البرامج التي خرجت عن إطار المهنيّة، وانزلقت إلى مساحات من السخرية والتهريج، متخذةً من الترند غاية، ومن الإثارة المصطنعة وسيلة لجذب الأنظار.

أحّد مقدّمي البرامج، بدلاً من أن يكون صوتاً للمهنيّة والوعي، تحوّل إلى أداة تجريح وانتقاص، مهاجمًا أحّد مرشحي رئاسة اتحاد الكرة بأسلوب لا يمت للإعلام ولا للثقافة العامة بصلة، وكأنما نصَّبَ نفسه وصيًّا على كرة القدم العراقيّة، ناسيًا أنّ من حقِّ أي مرشّح، سواء للرئاسة أو العضويّة، أن يظهر للإعلام، يعقد مؤتمرًا صحفيًّا، ويطرح أفكاره بلغة يختارها هو، لا أن تُفرض عليه الوصاية بأسلوب سمج يفتقر لأبسط قواعد الاحترام.

من المؤسِف أن تتحوّل بعض المنابر الإعلاميّة إلى ساحات صراع وشتائم وتراشق، وكأنها حلبات لتصفية الحسابات السياسيّة والرياضيّة أو الانتخابيّة، بدلاً من أن تكون منصّات للنقد البنّاء وتطوير اللعبة.

إنّ هذه البرامج، بتكرار خطابها المُبتذل، لم تسهم سوى في تأجيج الجماهير وزرع الفوضى وتشويه المشهد الرياضي، فيما يجلس المتابع العراقي، حائرًا أمام مشهد يُسيء لسُمعة الإعلام ويطعن في صورة الرياضة العراقيّة، ولعلَّ الأخطر هو استغلال هذه المنصّات كأدوات ابتزاز وتسقيط انتخابي، حيث تتحوّل إلى ما يشبه المساومة، إما الدعم والتبييض أو التسقيط والتشويه، كُل ذلك يرتبط بحسابات لم تعد خافية على أبسط متابع.

إنّ حريّة الإعلام حق مكفول، لكن الحريّة لا تعني الفوضى، والانتقاد لا يعني الإسفاف، واحترام الإنسان وتأريخه وعائلته يجب أن يكون خطّاً أحمر لا يتم تجاوزه تحت أي ظرف، فالإعلام الرياضي ليس تجارة رخيصة ولا وسيلة لتصفية الحسابات، بل رسالة أخلاقيّة وإنسانيّة ومهنيّة تتطلّب، قدرًا عاليًا من المسؤوليّة والحياد.

إنّ ما يجري اليوم في بعض القنوات الرياضيّة يفرض علينا، وقفة جادّة أمام انحدار الخطاب الإعلامي، فالإعلام حين يفقد بوصلته المهنيّة، يتحوّل إلى أداة هدم وتشويه، بدلاً من أن يكون وسيلة بناء وتنوير.

الرياضة العراقيّة بحاجة إلى إعلام مسؤول يرتقي بمستوى الحوار ويحترم عقول الجماهير ويدافع عن القيم قبل الألقاب، أما التهريج والإسفاف، فمهما صُنعت له من ترندات زائفة، فلن يترك إلا ندوبًا في صورة الإعلام العراقي.

يبقى القول الفصل، الإعلام رسالة، ومن يحمله يجب أن يكون أهلاً للأمانة، وإلا فالحليم تكفيه الإشارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى