أزمة الكهرباء تتأرجح بين ثقافة الاستهلاك والإهمال الحكومي

وسط غياب الترشيد وهشاشة البنية التحتية
المراقب العراقي/ أحمد سعدون
أزمة المواسم المستمرة بلا حلول، هذا ما يطلق على قطاع الكهرباء في العراق مع قرب حرارة الصيف، حيث يواجه هذا القطاع، تحديات جسيمة أثرت بشكل مباشر على استقراره وكفاءته، خاصة في ظل زيادة الاستهلاك، والتجاوزات الواسعة على الشبكة الوطنية، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية وغياب السياسات الإصلاحية طويلة الأمد.
المختصون في وزارة التخطيط أشاروا وفق بيانات رسمية الى ان هذا التدهور المستمر جاء نتيجة زيادة الأحمال الكهربائية، تلخصت بأسباب عدة منها، استحداث المدن العشوائية التي تستهلك طاقة كهربائية متزايدة من دون تخطيط أو دراسة من قبل الحكومة، بالإضافة الى النمو السكاني المتزايد، دون توفر تطوير مماثل في قدرات التوليد والنقل، وهذا ما كشفه الإحصاء السكاني الأخير، كما ان التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة خصوصاً في فصل الصيف، يدفع المواطنين إلى استخدام أجهزة التكييف بشكل مكثف، دون أية مراعاة في الترشيد وتقليل الاستهلاك، مما يرفع معدلات الأحمال الكهربائية إلى مستويات حرجة، غالباً تفوق قدرة المنظومة الوطنية على التحمل، كما ان الانتعاش النسبي لبعض القطاعات الصناعية والتجارية بعد سنوات من الركود، أدى إلى زيادة استهلاك الكهرباء، ما فاقم أيضا من الضغط على الشبكة الوطنية، بالإضافة الى آلاف حالات الربط العشوائي غير القانوني، سواء من الأحياء الفقيرة أو حتى من منشآت تجارية، مما يؤدي إلى سرقة التيار الكهربائي والتأثير على كفاءة التوزيع والتوازن في الشبكة.
من جانب آخر، رأى خبراء الاقتصاد، ان نسبة كبيرة من المواطنين والمؤسسات لا تسدد ما عليها من أجور استهلاك، إما بسبب ضعف الرقابة أو بسبب غياب العدادات، ما يؤدي إلى عجز مالي دائم في قطاع الكهرباء، في الوقت نفسه، تم تحميل الحكومات المتعاقبة التأخير في إنجاز مشاريع التوسعة والصيانة الدورية في تعطيل محطات توليد ونقل الطاقة، ما يجعل القطاع الكهربائي هشاً وغير قادر على استيعاب الأحمال الزائدة ، مشددين على ضرورة إيجاد حلول جذرية لرفع معاناة المواطنين جراء هذه الأزمة المتجددة التي رافقت العراقيين طيلة عقود من الزمن، من خلال الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتقليل الضغط على المحطات التقليدية وكذلك تقنين الاستهلاك ورفع وعي المواطن عبر إطلاق حملات توعية لترشيد استهلاك الكهرباء وتشجيع المواطنين على تركيب عدادات ومحاسبة المتجاوزين، والتأكيد على تطبيق الجباية الإلكترونية، لضمان دقة المحاسبة وتقليل الفاقد المالي.
وفي سياق متصل وبنفس الوتيرة، أكد المحلل الاقتصادي أحمد الوائلي في حديث لـ”المراقب العراقي”، ان العراق يحتاج الى 27 ألف ميغاواط في ظل الطلب المتزايد على الطاقة، مبيناً: ان سوء الإدارة والتخطيط ما بعد 2003 بالإضافة الى السرقات المالية الكبيرة التي حدثت في هذا القطاع، أثرت بشكل كبير على مستوى الإنتاج، كما ان العوامل الخارجية كان لها دور قوي وفاعل بعدم استقرار الكهرباء في العراق، لأنها استخدمت كورقة ضغط سياسية، حسب تعبيره.
وشدد الوائلي في حديثه على ضرورة انشاء صندوق سيادي بخصوص هذا الملف، لان العراق يحتاج الى أكثر من 13 ألف ميغاواط، إضافة الى 27 ألفاً، نتيجة لزيادة نموه السكاني وشروعه بمشاريع اقتصادية ضخمة.
أما بخصوص الربط الخليجي، فقد أوضح الوائلي، ان هذا الربط غير مفيد، لأنه لا يفي بالغرض المطلوب، قياساً بحجم التحديات التي تواجه هذا القطاع، لافتا الى انه في حال تم استثمار الغاز المحروق على وفق ما أعلنت عنه الحكومة في برنامجها، وان عام 2027 سيكون عام الاكتفاء الذاتي وكذلك التعاون المستمر مع شركة سيمنز الألمانية وتوتال الفرنسية وفق عقود وقعت بين الجانبين، بالإضافة الى دور المواطن المهم في عملية الاستهلاك وترشيد الطاقة لربما ستسهم هذه العوامل في استقرار المنظومة الكهربائية في البلاد والتخلص من هذه المشكلة الكبيرة.
وتبقى أزمة الكهرباء في العراق ليست فنية فحسب، بل هي نتاج تراكمات إدارية، وسياسات غير فعالة، وتجاوزات شعبية تحتاج إلى معالجة جذرية وشاملة، تبدأ من توفير الطاقة وتنتهي بإصلاح ثقافة الاستهلاك.



