في ذكرى شهادة باب المراد «ع» .. بحر لا ينفد وعطاء علمي لا ينضب

نظراً لقصر المدة التي رافق خلالها الإمام الجواد والده الرضا (فلم تتجاوز السنين السبع) فقد التصق إمامنا الجواد بأبيه الرضا (ع) ينهل منه علما وحكما وأدبا، وهكذا لازم الرضا ابنه الجواد ولم يبرح الإشادة بفضله وإبراز احترامه له فكان الرضا (ع) لا يناديه إلا بكنيته (أبو جعفر) وكان يجلسه بجنبه ويطلب منه أن يجيب عن بعض الأسئلة الموجهة إليه أمام الناس ليدلل على سعة علمه، وهكذا استمر الأمر عندما غادر الإمام الرضا إلى خراسان وبقي الإمام الجواد في المدينة، فلم تنقطع المراسلة بينهما أبدا، وكان الإمام الرضا يكتب إليه بكنيته (أبي جعفر) وكانت رسائل أبي جعفر الجواد ترد إلى أبيه وهي في منتهى البلاغة والفصاحة، فلم يقف العمر حائلا أمام شموخه وبروز عظمته وانتشار قدراته ومواهبه.
إن الامام الجواد وان عمَّر مدة قصیرة الا أنه مثل آبائه العظام كان یحظی بمعرفة عمیقة في مجال توحید اللّه ویتمتع بمعلومات واسعة ترتبط بالمبدأ والمعاد، كما أنه كان ممن یشاهد حقائق عالم الوجود بباطنه وكان ایمانه ویقینه أبعد من حدود الالفاظ والمفاهیم الذهنیة. ولا شك أن هذا من لوازم الامامة, ولاجل هذا یمكن القول بان الامام الجواد كان مجتهداً وجدیاً علی اجداده وآبائه في الخشوع والعبادة والصلاة والدعاء والتخلق بالاخلاق النبیلة والقیام باعمال الخیر، وان كان بسبب صغر سنه ولجهات أخری موضع اهتمام أقل من جانب الناس وأَقل حظاً من غیره من حیث نقل المعلومات حوله في المصادر والكتب, إن الشيء الملفت للنظر هو كثرة الأسئلة التي وجهت إلى الإمام الجواد في فترة حياته القصيرة, وكان الإمام يجيب عن المئات من الأسئلة في اليوم الواحد، وكانت هذه الأسئلة تنطلق من حب معرفة الإمام وامتحانه، وحاول المخالفون أن يسخروا من إمامنا الجواد لأنه صبي، فجالسه كبراء علمائهم وناظروه على مختلف الصعد فرأوا بحرا لا ينفد وعطاء علميا لا ينضب.
في آخر ذي القعدة سنة 220هـ استشهد إمامنا الجواد بسم أمر به المعتصم العباسي حيث اتصل جعفر بن المأمون بأخته أم الفضل زوجة الإمام الجواد (ع) (وكانت أم الفضل تنقم من زوجة الإمام الأخرى أم الإمام الهادي (ع) فاخذ يبث إليها سمومه وكلماته وشرح لها الخطة في القضاء على أبي جعفر(ع) فوافقت فأعطاها سما فتاكاً جعلته في طعام الإمام فلما أكل منه أحس بالآلام والأوجاع، ثم ندمت أم الفضل على فعلها وأخذت تبكي فقال لها الإمام: والله ليضربنك بفقر لا ينجي، وبلاء لا ينستر، فبُليت بعلة في بدنها فأنفقت كل مالها على مرضها هذا فلم ينفع حتى نفذ مالها كله.