اراء

إيران وأسباب تجنب التدخلبالشأن السوري الجديد

بقلم: محمود الهاشمي ..

كثيرون وجّهوا اعتراضهم عن تجنب إيران التغيير الذي حدث بسوريا أخيرا، رغم انه (تغيير) فيه تأثير كبير على (محاور المقاومة).. إيران اكتفت بالتعبير عن وجهة نظرها بشأن هذا التغيير في ثلاث نقاط:

١ ان التغيير كان (صدمة) ومفاجئاً.

٢ تركيا وسوريا وأمريكا وراء هذا التغيير.

٣ تغيير لن يضعف محاور المقاومة وسوف تكون المقاومة أقوى.

خصوم الجمهورية الإسلامية أكدوا من جهتهم (إيران خسرت نفوذها بالمنطقة ومعها أصدقاؤها في سوريا ولبنان) وعمل الخصوم -وفق هذا التصور- على محاولة ترتيب أوضاع المنطقة، بعيدين عن خصمين (إيران وقوى المقاومة) وكأن الشرق الأوسط بات تحت إمرتهم ولهم حق التصرف به كيفما شاءوا، ولغرض تحييد إيران فقد باتت اسرائيل تتحدث عن إمكانية القيام بالهجوم على إيران بالتعاون مع الولايات المتحدة.

إيران وبخبرتها الطويلة بالمنطقة وإدارة الأزمات فيها، تعد البلد الأكثر تفهما للملف السوري كونها مشاركا مهما في مواجهة (ربيع سوريا) وادامة السلطة لبشار الأسد وفي ترسيخ قيم المقاومة وربطها مع بقية المحاور وتطوير السياحة الدينية لمزارات أهل البيت “عليهم السلام” وغيرها.

إيران تعلم جيدا، ان مواجهة التغيير الجديد بسوريا ومجيء فصيل ارهابي لإدارة دمشق سوف تتوحد خلافات كل الأطراف أمام عدو واحد اسمه (إيران).. الحاكم الجديد لسوريا (أبو محمد الجولاني) أعلن منذ البداية عن عدائه لإيران وحزب الله وقال: (جئنا من أجل القضاء على النفوذ الإيراني وحزب الله)، إيران ليس لديها مانع ان تفتح سفارتها بسوريا ثانية، وان تتعامل مع التحول بسوريا (واقع حال)، لكن الحاكمية الجديدة تخشى حتى من سفارة إيران بل عمدت إلى إغلاق جميع وسائل الإعلام المدعومة من قبل إيران بدمشق.

إيران ترى في سوريا غير الذي يراه الآخرون، سواء من تركيا أو دول الخليج، حيث ترى في الشعب السوري صاحب تأريخ ثقافي وفكري وديني واجتماعي وجهادي، من الصعب ان يتقبل (حاكما) مغروسة فيه نوازع الارهاب والقتل ومنزوع القيم، كما لا يقبل التبذير لأرضه لصالح اسرائيل أو تحطيم الآلة العسكرية للدولة، وإذا ما منعته المواجهة المباشرة مع النظام الارهابي الجديد بسبب (الصدمة) و(الوضع الاقتصادي) فانه سيستفيق وسيدخل في مواجهة في المستقبل.

القراءة الإيرانية للتحول السوري الجديد تقول، ان الفصيل الحاكم (لا يملك خبرة ادارة الدولة وهو تشكيل عسكري لا تتقبله جميع الفصائل الأخرى حتى وان تم إغراؤها بالمناصب والنفوذ، فسرعان ما سيصطدمون وهم قبل ورودهم لدمشق كانوا في حروب داخلية لأعوام طوال.. كما ترى أن اختيار (هيأة تحرير الشام) لمهمة تغيير النظام جاءت متعجلة فرضتها ظروف عديدة في مقدمتها (الخشية من مجيء ترامب لرئاسة الولايات المتحدة) وما في ذلك من مفاجآت في ادارة ملف الشرق الأوسط وتداعيات معركة طوفان الأقصى، لذا فان هذه (العجلة) بالتغيير بسوريا رأت ايران ان لا تواجهه بنوع من التوتر وردة الفعل بل بـ(الروية) والدبلوماسية الهادئة التي استخدمتها على مدى عمر الثورة التي يحتفل الشعب الإيراني هذه الايام بذكراها الـ(٤٦) وهم في عز ورفعة.

يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية اسماعيل بقائي: “موقفنا المبدئي هو دعم الحكومة التي يختارها الشعب في سوريا”.

وحتما ان (حكومة مصنوعة) من قبل اسرائيل وأمريكا وتركيا لن يتقبلها الشعب السوري.

في ظل ادارة ترامب تعلم إيران انه سيعمل على (شرق أوسط هادئ) لانه (ترامب) سبق ان قال في ولايته الأولى (لم يعد الشرق الأوسط من أولوياتنا) وعمل على سحب أغلب القوات الأمريكية من المنطقة وسيفعل أكثر في ولايته الجديدة، وحتما ترامب يحتاج إلى تفاهمات جديدة مع دول المنطقة وأولها (إيران)، بعد أن تيقن ان (العقوبات) التي فرضها عليها في ولايته الأولى قوّت من عضدها ولم تضعفها.

إيران لم تستخدم أياً من أوراقها بالضغط على الدول التي صنعت (مؤامرة دمشق) إلا في (حدود) فيما لم تحاول ذات الجهات ان (تستفز) إيران بشكل أو بآخر خشية (المواجهة المباشرة).

خصوم إيران بالمنطقة يعلمون ان إيران مازالت بالميدان ولم تعلن عن أي موقف يثبت تنازلها عن (عمقها الاستراتيجي) بالمنطقة، فمازالت المقاومة بغزة جاهزة للتفاوض والحرب، ومازال أنصار الله الحوثيون جاهزين لكل الاحتمالات ومازالت المقاومة العراقية على عهدها بإسناد محاور المقاومة ونصرة فلسطين وإذا ما توقفت فلأمر احتاجته (ظروف المعركة).

إيران مازالت تحتفظ بكامل جاهزيتها العسكرية وفي تطور مستمر ولا يمر أسبوع دون الإعلان عن سلاح جديد أو مناورة عسكرية جديدة فيما يدها الأخرى مفتوحة للمزيد من التفاوض والدبلوماسية مع جميع الأطراف .

الشعوب العربية والإسلامية ترى في إيران داعما أولاً للقضية الفلسطينية وإنها اثبتت ذلك عبر ظروف مختلفة وإنها دولة (لا تقبل الهزيمة) فقد تطورت وبنت تجربتها على مدى الـ(٤٦) عاما في صراع مع الاستكبار العالمي وإنها لم تعبئ للتفرد الأمريكي بالعالم منذ عام ١٩٩١، بل ترى في مجيء ترامب علامة على زوال أمريكا وهذا ما أكده الإمام الخامنئي عام ٢٠١٩ بمناسبة الذكرى الثلاثين لوفاة مؤسس الجمهورية الاسلامية الإمام الخميني (إن رئاسة دونالد ترامب تعتبر مؤشرا إلى تراجع وزوال القوة السياسية للولايات المتحدة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى