جهاز “الموساد”… هل هو نمر من ورق؟

بقلم: الدكتور أحمد شمس الدين..
جهاز “الموساد”.. منظمة “إسرائيلية” فائقة القوة والقدرات وهي “سوبرمان” في كل شيء، تراقب كل شيء وتستطيع التنفيذ في أي مكان”، هكذا يحاول الإعلام الغربي وخاصة الأمريكي و”الإسرائيلي” تصويره، وخلال الأسابيع الفائتة امتلأت وسائل الإعلام الغربية و”الإسرائيلية” وحتى العربية بقصص وسرديات خيالية في محاولة للترويج لهذه الفكرة، ومع الأسف فقد تناقلت هذه القصص مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ الرأي العام يتأثر بها، وكل إنجاز على مستوى جبهة المقاومة نسبوه لهذا الجهاز.
حاولت هذه القصص تصوير المقاومة كأنها ضُربت أو أضعفت، وأن العدو لديه قدرة نفوذية واستخبارية تخترق صفوف حزب الله وتستطيع الوصول إلى أي هدف تريده، متناسين أن المقاومة على الرغم من الضربات التي تلقتها استطاعت ترميم نفسها، واسترجعت المبادرة في الميدان، ومنعت العدو من احتلال أية قرية على الحافة الأمامية واستمر سقوط صواريخها في عمق الكيان إلى 150 كلم، حتى لحظة سريان وقف إطلاق النار في 28/11/2024، ولكي لا ننسى أيضاً فإن العدو هو من ذهب مرغماً لوقف إطلاق النار، هذا فضلاً عن أن غزة صامدة على الرغم من كل الدمار والقتل منذ نحو 500 يوم، وتصيب من جنوده مقتلاً، ومازالت صواريخها تنطلق باتجاه غلاف غزة والوسط، وحتى الآن لم يستطع العدو إطلاق أسراه وفي الوقت نفسه لم يستطع إعادة المستوطنين إلى الشمال، والذين يرفضون حتى الآن العودة (90 % يرفضون) لأنهم يعتقدون أن الحدود الشمالية مازالت غير آمنة.
هذه الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” على الرغم من تبجحها بإنجازاتها فإن الدعوة داخل الكيان واضحة وجلية بأنه يجب تغيير العقيدة الأمنية الاستخباراتية داخل مؤسسات الكيان، لأن الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” ومن بينها “الشاباك” (جهاز الأمن الداخلي) و”أمان” (شعبة الاستخبارات العسكرية) و”الموساد” (وحدة العمليات الخاصة) أثبتت فشلها في معركة “طوفان الأقصى” 7/10/2023، فشبكة عملائهم المنتشرين داخل قطاع غزة لم تحذرهم من هذه العملية على الرغم من مشاركة آلاف المقاتلين في العملية، وقد أشار المحللون “الإسرائيليون” إلى أن هذا اليوم قد قوض سردية “العين التي تراقب كل شيء”، والتي أسبغت هالة من التفوق على الأذرع الاستخباراتية في داخل الكيان، والتي كانت تعتمدها آلة الدعاية الغربية و”الإسرائيلية” لدفع شعوب المنطقة نحو الشعور بالضعف أمام قوة وقدرة هذه الأجهزة.
فجهاز الموساد الذي تبلغ ميزانيته 2,3 مليار دولار، أنشئ في العام 1954 وكان هدفه القيام بعمليات تخريبية واغتيالات حول العالم، مستهدفاً بشكل أساسي المقاومة الفلسطينية، لكنه بدأ بعملية فاشلة “عملية سوزانا” في مصر سميت حينها بفضيحة “لافون”، وقد دوى اسم هذه الوحدة في أوائل السبعينيات عندما استهدفت رجالاً مفكرين وكتاباً يتحركون ويتجولون دون أي إجراءات أمنية، أي أهداف سهلة ومتاحة أمنياً (وائل زعيتر 1972، باسل قبيسي 1973، محمود الهمشري 1973، حسين ابو الخير)، والذي يدقق في العمليات المنفذة في ما بعد يجد أن معظم الأهداف السياسية التي استطاعت الوصول إليها واغتالتها يفترض أنها تحظى بحماية البلدان التي تقيم فيها (محمد بودية، أبوإياد، بسيسو…)، وعندما اعتمدت الوحدة على نفسها دون دعم خارجي وقعت أيضاً في الفشل كما حصل في النروج، حيث قامت عام 1973 بقتل نادل يشبه أبا حسن سلامة، أي بقتل الشخص الخطأ، وتسببت بمشكلة دبلوماسية حينها بين النروج والكيان، وفي العام 2010 انفضح 30 ضابطاً تنفيذياً لـ”الموساد” على إثر اغتيال محمد المبحوح في دبي، أدت أيضاً إلى مشكلة دبلوماسية حينها، وفي العام 2022 فشل الجهاز أيضاً في خطف أحد عناصر حماس في ماليزيا وأدت العملية لاعتقال 11 ضابطاً تنفيذياً تابعاً للجهاز، وتسببت أيضا بمشكلة دبلوماسية، ويلاحظ أن العمليات التي كانت تقوم بها بنفسها كانت تفشل وتؤدي إلى مشكلة دبلوماسية بينها وبين الدول الأخرى.
في الآونة الأخيرة، ركز إعلام العدو وحلفاؤه في الترويج لأجهزته الاستخباراتية من خلال 3 عمليات خاصة: إنزال مصياف في سورية، عملية اغتيال قادة المقاومة وعلى رأسها الأمين العام، وتفجير البيجرات.
في أيلول الفائت، تمكنت قوة “كوماندوس إسرائيلية” من الوصول إلى مصنع عسكري وتفجيره قرب مدينة مصياف السورية (تبعد 200 كلم عن الحدود مع فلسطين)، ولكن حقيقة ما جرى أن هذا الموقع يقع ضمن حماية الجيش السوري، ولا يمكن لأية قوة الوصول إليه دون مساعدة من الضباط المسؤولين عن حماية هذا الموقع، وجزء مهم من هؤلاء الضباط يعملون لمصلحة دولة ثالثة لها تأثير في الوضع السوري الداخلي، قامت الولايات المتحدة ومن خلال نفوذها وتأثيرها السياسي بتجيير هؤلاء الضباط ليسهلوا عملية الإنزال “الإسرائيلية”، بل أكثر من ذلك، فإن هؤلاء العملاء فجروا جزءًا من الموقع قبل نزول قوات “الكومندوس الإسرائيلي”، ما يعني عملياً أنهم سهلوا وشاركوا في تدمير الموقع، ثم يتبجح العدو بأنه نفذ عملية في عمق الأراضي السورية، فهل كانت لتنجح لولا الأمريكي؟.
فالمقاومة ومحورها لا يواجهان دولة الكيان وحدها، بل هما في مواجهة محور على رأسه الولايات المتحدة ويضم دولاً أوروبية وغير أوروبية، غربية وغير غربية، وخلال 66 يومًا من معركة “أولي البأس” كانت المقاومة الإسلامية في لبنان تواجه كل هذا المحور، عسكرياً وأمنياً واجتماعياً وسياسياً، واستطاعت فرض وقف إطلاق النار ومنعته من تحقيق أهدافه، ففي معركة كهذه، مجرد الثبات أمام هذا المحور يعتبر نصراً عزيزاً بيّناً وواضحاً.