حياة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء “عليها السلام”
ان الحديث عن الشخصيات المميزة، صعب مستصعب، وذلك لعظمة ما يحملون من القيم الإنسانية والأهداف السامية، ولأجل أن نستكشف بعض مزايا هذا العظيم أو ذاك، نحتاج إلى وقفات من التفكّر والتدبّر قبل الغور في سبر تلك الشخصية وأنّى لنا ذلك؟ فصفات ضوء الشمس يذهب باطلا.
هذا إذا عرفنا، إن الحديث عن الأنبياء والمرسلين وأوصيائهم هو من ذلك النمط، باعتبار أن هذه الشخصيات تمثل القمة في الأخلاق والمثل العليا في الإنسانية، ولهم من الشرف الذي منحه سبحانه وتعالى إياهم، مما جعلهم متميزين عن سائر البشر في الخلق والسلوك والقيم الإنسانية.
فعلى سبيل المثال، فالنبي الأكرم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) إذا ما تخطينا سلسلة الأنبياء والمرسلين منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم (عليه السلام) وأودع فيه ذلك النور، وأمر ملائكته وسكان سماواته، أن يسجدوا لآدم تكريما لذلك النور، فسجد من سجد وكفر من كفر.
ولقد تدرجت هذه الأنوار وانتقلت من صلب شامخ إلى رحم طاهر، كابرا عن كابر، مرورا بالمرسلين والأنبياء، فنوح، وإبراهيم، وإسماعيل (عليهم السلام)، وما بينهم من الأنبياء والحنفاء والموحدين والصالحين، حتى استقر ذلك النور في صلب الحنفي الموحد عبد المطلب ابن هاشم، وكل حلقة من سلسلة هذا النسب الشريف موحدون حنفاء لله، وهذا ما أكده العقل والفطرة السليمة، والأحاديث النبوية الشريفة التي وردت عن المبلغ الروح الأمين لوحي السماء (صلى الله عليه وآله) كما نقله جل العلماء في أسانيدهم وصحاحهم، ويشهد على ذلك التأريخ السليم.
وهذه الصفوة المختارة من الله سبحانه، ليكونوا مصداقاً لخلفاء الله في الأرض، في تبليغ وتحقيق أهداف شريعة السماء على الأرض، وهم الذين يحملون تلك الأنوار الإلهية الساطعة التي أودعها سبحانه وتعالى في صلب آدم (عليه السلام). وببركة ذلك النور، جعل نار نمرود بردا وسلاما على خليله إبراهيم، وبذلك النور، نجى الله سبحانه رسوله نوحا وسفينته من الغرق، ومن ذلك النور، فلق الله سبحانه البحر لموسى بن عمران، ونجاه وأصحابه من الغرق ومن طغيان فرعون وبالآيات التسع، ولأجل ذلك النور، أعطى الله سبحانه وتعالى المعاجز والآيات لرسله وأنبيائه، وخلصهم من طواغيت زمانهم وفراعنتها، ثم انشطر ذلك النور إلى قسمين فقسم أودع في صلب عبد الله، والقسم الثاني أودع في صلب عبد مناف أبي طالب ابني عبد المطلب.
وهكذا شاءت حكمة الباري جلت قدرته في تقسيم هذا النور، وتنظيم هذا الأمر، ولا دخل فيه للإنسان أو الصدف قطعا ولا القضاء والقدر، بل هي مشيئة ربانية وإرادة وحدة الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال والجمال والجلال اقتضت ذلك جلت قدرته.
ثم انبثق النور الأول في سيد الكائنات، وأشرف المخلوقات محمد بن عبد الله المصطفى (صلى الله عليه وآله) لينتقل ويستقر ويكون تلك النسمة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وينبثق القسم الثاني من النور ويستقر في مولى الموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ولم يكن انشطار هذا النور من صلب عبد المطلب بن هاشم إلى نورين، إلا لأجل أن يلتقيا ثانية، ويتحدا في علي وفاطمة (عليهما السلام) وهنا يكمن السر، لينجلي الحال.
مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان هما الحسن والحسين “عليهما السلام”.
ولادتها (عليها السلام) إلا أن المشهور عند العلماء الإمامية، أن ولادتها (عليها السلام) كان في يوم الجمعة في العشرين من شهر جُمادى الثاني، في السنة الخامسة بعد البعثة، منهم ابن شهر أشوب في المناقب 3 / 357، والكليني في أصول الكافي 1 / 458 والمجلسي في بحار الأنوار 34 / 6، وحياة القلوب 2 / 149، والمحدث القمي في منتهى الآمال 1 / 94، وعلي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة 2 / 173، والطبري في دلائل الإمامة ص 10، والفيض الكاشاني في الوافي 1 / 173.
وأكثر علماء العامة قالوا، إنها ولدت (عليها السلام) قبل البعثة، قال عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص ص 306. قال علماء السير، أولدتها خديجة وقريش تبني البيت الحرام قبل النبوة بخمس سنين. وقال: محمد بن يوسف الحنفي في كتاب نظم درر السمطين ص 175 ولدت وقريش تبني الكعبة.
ومن أسمائها (عليها السلام) وألقابها وكناها نذكر بعض الاسماء: فقد عدد أبو جعفر القمي أسماء فاطمة (عليها السلام) على ما نقله عنه ابن شهر آشوب في مناقبه وهي كما يلي: فاطمة، البتول، الحصان، الحرة، السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدثة، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى. ويقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): [لجدتي] فاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة، الصديقة، الزهراء، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المباركة، المحدثة. وكانت تلقب بالزهراء والبتول، وكانت تُكنّى بأم الحسن والحسين وأم أبيها، وأم الأئمة.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): إنما سميت ابنتي فاطمة، لأن الله فطمها وفطم محبيها عن النار، استُشهدت (عليها السلام) في جُمادى الآخرة 11 هـ، وعلى رواية جُمادى الأولى، وقيل غير ذلك.