اخر الأخبارالنسخة الرقميةتقارير خاصةسلايدر

السدود والخزانات مشاريع استراتيجية غابت عن البرامج الحكومية

بسبب الإهمال للملف المائي


المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
على امتداد عقود طوال، بقي ملف المياه، واحداً من أكثر الملفات الشائكة في العراق وأكثرها إهمالاً، على مستوى التخطيط والتنفيذ، على الرغم من تعاقب الحكومات وتغيير البرامج والشعارات، إلا انها لم تنجح في إنشاء منظومة متكاملة من المشاريع الاستراتيجية، وفي مقدمتها السدود والخزانات المائية، القادرة على استثمار مواسم الأمطار والسيول وتحويلها إلى مخزون آمن يستخدم خلال فترات الجفاف وقيظ الصيف الذي يمر به العراق سنوياً، هذا العجز البنيوي تراكم حتى أوصل البلاد إلى واحدة من أكثر الدول تضرراً جراء موجات الجفاف في تأريخه الحديث، حيث انعكست آثارها القاسية على الزراعة، والأهوار، والأمن الغذائي، والاستقرار الاجتماعي.
ويعد العراق، بلداً غنياً بالموارد المائية من حيث الموقع الجغرافي، بالإضافة الى امتلاكه نهرين لكنه فقير في إدارتها، فخلال مواسم الأمطار، تتدفق كميات كبيرة من المياه في الأنهار والسيول الموسمية، وهذا ما شاهدناه في بداية الموسم الشتوي لهذا العام، ولكن غالباً ما تهدر دون أن يتم خزنها أو توجيهها بشكل علمي، لتتحول بعد أشهر قليلة إلى أزمة شح حادة تضرب المدن والأرياف على حد سواء، نتيجة لغياب السدود المتوسطة والصغيرة، إضافة إلى ضعف صيانة السدود الحالية، مما جعل البلاد، عاجزة عن تحقيق أي توازن مائي مستدام.
وحول هذا الموضوع، أكد الخبير الاقتصادي صالح مهدي الهماش في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “الحكومات السابقة ركزت على حلول آنية، كإجراءات الطوارئ المتمثلة بتقليص المساحات الزراعية، وعدم حفر الآبار العشوائية، وردم أحواض الأسماك المتجاوزة، بدلاً من تبني رؤية استراتيجية طويلة الأمد، تعالج جوهر المشكلة، من خلال اعتماد الخطط والبرامج العلمية في تطوير القطاع المائي بالبلاد”.
وأضاف، ان “القطاع الزراعي كان الخاسر الأكبر من هذا الإخفاق، فمساحات شاسعة من الأراضي الخصبة خرجت من دائرة الإنتاج، بسبب نقص المياه وخصوصا خلال الأعوام الأخيرة، بحيث اضطر آلاف الفلاحين إلى ترك أراضيهم والهجرة نحو المدن، ما زاد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على هذه الشريحة”.
وتابع، أن “إنشاء سدود وخزانات مائية وتفعيل الاتفاقات المائية مع الجانب التركي، جميعها ستساهم في توفير مياه ري مستقرة نوعاً ما، بدورها تحقق نهضة زراعية تعزز الأمن الغذائي الوطني”.
أما الأهوار في جنوب العراق، التي تمثل إرثاً حضارياً وإنسانياً فريداً وفق تصنيفات منظمة اليونسكو الدولية والتي أدرجتها على لائحة التراث العالمي عام 2016، فقد دفعت ثمناً مضاعفاً، إذ شهدت خلال السنوات الماضية، انحساراً تاماً للمياه، ما أدى إلى تدهور النظام البيئي، ونفوق أعداد كبيرة من الأسماك والجاموس، وتراجع مصادر رزق السكان المحليين.
ويجمع خبراء المياه على أن “إنعاش الأهوار لا يمكن أن يتم عبر إجراءات موسمية أو إطلاقات محدودة، بل يحتاج إلى سياسة مائية متكاملة تقوم على خزن المياه في أوقات الوفرة وضخها بشكل منتظم ومدروس”.
وأكد الخبراء، أن “الحكومة الجديدة أمامها اختبار حقيقي، فالأزمات المتراكمة لم تعد تحتمل التأجيل أو المعالجات الترقيعية، ويجب إدراج مشاريع السدود والخزانات ضمن أولويات برنامجها الحكومي، لأنه لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية ملحة، فالتغيرات المناخية، وتراجع واردات المياه من دول المنبع، وازدياد الطلب الداخلي، كلها عوامل تفرض التحرك السريع نحو بناء بنية تحتية مائية حديثة”.
ويشدد الخبراء على أن “النجاح لا يتوقف عند إنشاء السدود فقط، بل يتطلب إصلاحاً شاملاً لإدارة المياه، يشمل تحديث أساليب الري، والحد من الهدر، وتفعيل التشريعات الرادعة للتجاوزات، إضافة إلى إشراك الجامعات والمراكز البحثية في وضع الخطط والدراسات، لأن أي فشل في هذا الملف سيعكس أزمات اقتصادية واجتماعية متلاحقة”.
وفي المحصلة، إن “أزمة المياه في العراق، أصبحت مشكلة مزمنة مع كل فصل صيف يمر على البلاد، بل وصلت الى مرحلة تهديد مياه الشرب للمواطنين، ومع ترقب تشكيل الحكومة الجديدة ودخولها الى مرحلة العمل، تبقى الأنظار متجهة إلى ما إذا كانت ستتعلم من إخفاقات الماضي، وتجعل من مشاريع السدود واستثمار وفرة المياه، بوابة حقيقية لإنقاذ الزراعة، وإنعاش الأهوار، وحماية مستقبل البلاد المائي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى