اخر الأخبارالنسخة الرقميةتقارير خاصةسلايدر

عمليات “بتر” متواصلة تمارسها المنافذ برواتب الموظفين

خلل حكومي يُسجَّل على التحول الرقمي


المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
تشهد منظومة الدفع الإلكتروني في العراق، ولا سيما منافذ سحب الرواتب والبطاقات الذكية، موجة واسعة من الانتقادات والاستياء الشعبي، نتيجة سلسلة من الأخطاء الفنية والمالية المتكررة وسط تساؤلات، هل هي تقنية أم عمليات نصب تدخل ضمن خانة الفساد؟، هذه الأخطاء باتت تؤثر بشكل مباشر على الموظفين والمتقاعدين وعموم المستفيدين من هذه الخدمة، فبدلاً من أن يكون النظام الإلكتروني وسيلة لتسهيل حياة المواطنين وتقليل الطوابير الورقية التقليدية، أصبح مصدر قلق متزايداً بعد تكرار حالات القطع في الرواتب ونقص المبالغ المودعة أثناء السحب.
خلال الأشهر الأخيرة، تكررت شكاوى المواطنين من وجود فروقات مالية عند سحب مستحقاتهم، إذ يظهر الرصيد في الجهاز بمبلغ، وعند السحب الفعلي يتسلّم المواطن مبلغاً أقل، ما يحدث خللاً واضحاً في الثقة بالنظام، على الرغم من تأكيدات الجهات الحكومية بأن هذه الأخطاء محدودة وقيد المعالجة، إلا أن تكرارها بشكل شبه يومي ولدى مختلف المنافذ، دفع المواطنين للتشكيك في قدرة الدولة على فرض نظام إلكتروني مستقر يعتمد على بنى تحتية رصينة.
المشكلة لا تتوقف عند الأخطاء الإلكترونية فحسب، بل تتفاقم نتيجة جشع أصحاب المنافذ الذين يفرضون عمولات إضافية غير قانونية، رغم أن البنك المركزي أصدر تعميماً واضحاً بأن العمولة محددة إلكترونياً ولا يجوز فرض أي مبالغ إضافية، ومع ذلك، يضطر العديد من المواطنين للقبول بهذا الاستقطاع تجنباً لطوابير طويلة أو بحثاً عن منفذ أقل زحاماً، وهي ممارسة باتت تثقل كاهل الطبقات محدودة الدخل، خصوصاً المتقاعدين.
ويرى مختصون في الشأن الاقتصادي، أن “استمرار هذه الظواهر من شأنه أن يقوّض ثقة المجتمع بتوجه الدولة نحو التحول الرقمي، وهو هدف يفترض أن يوفر السرعة والدقة والأمان في المعاملات المالية، لا أن يتحول إلى مصدر معاناة جديدة”.
وفي السياق نفسه، أكد الخبير الاقتصادي، أحمد الوائلي في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “النظام الإلكتروني لا يمكن أن ينجح ما لم يترافق مع تحديث شامل للبنى التحتية، وتكثيف الرقابة على المنافذ، وضمان التزام الشركات والجهات المشغلة بالمعايير الفنية والمالية، مبيناً، أن غياب الرقابة الفعالة سمح لبعض المنافذ بالاستفادة من الفوضى وفرض رسوم إضافية ترهق المواطنين”.
وأضاف، أن “العراق يمتلك الإمكانيات البشرية والمالية التي تمكنه من الانتقال إلى نظام مالي إلكتروني متطور، لكن المشكلة تكمن في تشتت الجهات المسؤولة وضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية والشركات المشغلة، إضافة إلى قرارات متسرعة بتطبيق أنظمة لم تكتمل جاهزيتها بعد”، لافتا الى أن “الإصلاح الحقيقي يبدأ من تطوير البنى التحتية الرقمية، تعزيز الأمان المالي، وفرض عقوبات صارمة على المنافذ المخالفة”.
ومن جهة أخرى، يعبّر مواطنون عن استغرابهم من إصرار الحكومة على تعميم النظام الإلكتروني في جميع دوائر الدولة رغم أن التجربة الحالية لا تزال غير ناضجة، فالمواطن الذي يواجه صعوبة في سحب راتبه اليوم، يجد صعوبة أكبر في تقبّل أية خطوة جديدة نحو المزيد من الرقمنة، ما يؤدي إلى فجوة متنامية بين الحكومة والمجتمع، وسط تساؤلات حول مدى جاهزية البنى التحتية في العراق لهذا التحول، خصوصاً مع كثرة الأعطال وضعف الإنترنت وتعدد الشركات العاملة دون توحيد معايير ثابتة.
ويرى مراقبون، أن “الثقة هي حجر الأساس لأي نظام مالي إلكتروني، ولا يمكن بناؤها في ظل استمرار الأخطاء وعدم معاقبة الجشع المالي لبعض المنافذ، ومع ذلك، تبقى الفرصة قائمة أمام الحكومة لإعادة ترتيب الملف، عبر تشديد الرقابة وتحديث الأنظمة، وفتح قنوات شكاوى فعّالة وسريعة الاستجابة”.
وبين طموح الحكومة للتحول الرقمي، ومعاناة المواطن اليومية في طوابير المنافذ الإلكترونية، يبقى السؤال الأهم هل تستطيع الحكومة إصلاح هذا النظام بما يعيد الثقة للمواطن، أم سيبقى الملف أحد أبرز المؤشرات على تخلف البنى التحتية وضعف الإدارة؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى