المنافسة “التركية – الإماراتية” في السودان.. كيف ولماذا؟

بقلم: حسني محلي..
بعد أن وقفت تركيا إلى جانب حليفتها الاستراتيجية قطر في أزمتها مع السعودية والإمارات والبحرين المدعومة من مصر في حزيران 2017، لم تتأخر أنقرة في اتخاذ العديد من الإجراءات العسكرية والاستخبارية لمواجهة أعدائها الجدد، بعد أن أرسلت جيشها إلى قطر لحماية آل ثاني من أي عدوان سعودي- إماراتي مشترك.
ومن بين الإجراءات والتدابير التي اتخذتها أنقرة آنذاك، هو التدخل العسكري المباشر بليبيا في نيسان 2020 ونقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وضد قوات خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات.
وكثفت أنقرة فعالياتها العسكرية والاستخبارية في الصومال وتشاد ومالي وأريتريا والسودان، عندما كان عمر البشير الحليف الإخواني الاستراتيجي للرئيس أردوغان، إلى أن أُطيح في نيسان 2019.
ولم تتأخر أنقرة في التأقلم مع الوضع الجديد في السودان حيث نست أو تناست عمر البشير وأعادت النظر في حساباتها الخاصة بأفريقيا بعد أن خسرت مصر.
فاستقبل الرئيس أردوغان الانقلابي عبد الفتاح البرهان في 12 آب 2021 على الرغم من أنه كان قد هدد وتوعد السيسي، لأنه أطاح الإخواني محمد مرسي الذي كان حليفه العقائدي المهم مع عمر البشير الذي استقبله أردوغان أكثر من مرة، على الرغم من قرار المحكمة الجنائية الدولية التي أمرت باعتقاله لمسؤوليته في أحداث دارفور.
هذه المنافسة التركية – الإماراتية في السودان وليبيا والصومال اكتسبت طابعاً جديداً بعد الاعتراض التركي على المصالحة الإماراتية مع الرئيس الأسد، وهو ما اعتبرته أنقرة آنذاك، خطراً على مشاريعها ومخططاتها الخاصة بسوريا، ومن دون أن تمنع كل هذه التفاصيل تركيا من المصالحة التكتيكية مع الإمارات والسعودية ومصر بعد الاتفاقيات الإبراهيمية بين الكيان العبري وكل من الإمارات والبحرين والمغرب وبشكل غير مباشر الخرطوم.
وجاءت قمة العلا في 5 كانون الثاني 2021 لتفتح الطريق أمام مصالحة الدول الثلاث مع قطر الحليف الإخواني الاستراتيجي للرئيس أردوغان والمموّل الأكبر إن لم يكن الوحيد لكل الحركات الإسلامية السياسية منها والمسلحة بعد ما يسمّى الربيع العربي.
واستقبل الرئيس أردوغان في 18 آب 2021 رئيس مخابرات الإمارات طحنون بن زايد وبحث معه العديد من الملفات التي كانت تعرقل عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي في العلاقات بين البلدين.
وكانت زيارة طحنون هذه بعد أسبوع من زيارة البرهان إلى أنقرة التي زارها البرهان في أيلول 2023 لنقل جثمان نجله الذي توفي في حادث مرور بتركيا ثم في أيار 2024 للحصول على المزيد من المساعدات العسكرية وأهمها الطائرات المسيرة التي تلعب دوراً أساسياً في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني الموالي لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) والتي بدأت في نيسان 2023.
وعودة إلى مساعي أنقرة للمصالحة مع الإمارات ثم السعودية وأخيراً مصر، فقد زار الرئيس أردوغان “أبو ظبي” في 14 شباط 2022 ليعود ويزورها أربع مرات أخرى حتى الآن وذلك مقابل ثلاث زيارات لرئيس الإمارات محمد بن زايد لتركيا.
وكانت الأولى منها في 24 تشرين الثاني 2021 والثانية في 10 حزيران 2023 والأخيرة في 4 تموز الماضي ومن دون أن تسهم جميعها في تحقيق أية نقلة نوعية في العلاقات بين الإمارات وتركيا التي عقدت آمالاً كبيرة على المساعدات المالية الإماراتية ولم تتحقق بسبب انعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين.
فقد شنّ الإعلام الموالي لأردوغان قبل كل هذه الزيارات، حملة عنيفة ضد حكام الإمارات واتهمهم وزير الداخلية السابق سليمان صويلو بتمويل محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016 ثم هدّدهم وتوعّدهم بالرد على “تآمرهم ضد تركيا”.
وجاءت هذه التهديدات بعد المعلومات التي تحدثت آنذاك عن حماية الإمارات لزعيم إحدى عصابات المافيا التركية ويدعى سادات بكار، حيث كان يتحدث يومياً من دبي وعبر حسابه في اليوتيوب ويدلي بمعلومات دقيقة وحساسة عن قضايا الفساد التي تورط فيها الرئيس أردوغان وأفراد عائلته، إضافة إلى المعلومات الخطيرة عن الدور التركي في سوريا والمنطقة وغيرها من الأمور التي تتعلق بالأمن القومي لتركيا.
وأزعجت فيديوهات بكار هذه الرئيس أردوغان خاصة بعدما حققت أرقاماً قياسية من المشاهدات وزادت على 30 مليون يومياً، وتهرّب المسؤولون الأتراك من الرد عليها أو التعليق عليها أو تكذيبها. وعاد الحديث عن الفتور بل والتوتر في العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي، بعد اشتداد المعارك في السودان وفشل الوساطة الأمريكية بين الطرفين المتقاتلين المدعومين من تركيا والإمارات.
وفي جميع الحالات، وأيّاً كان مستقبل ومصير العلاقة بين أبو ظبي وأنقرة فالأوساط التركية الرسمية لا ترتاح للمعلومات التي تتحدث عن تنسيق إسرائيلي-إماراتي، لا فقط في الجنوب السوري، بل في المنطقة الكردية السورية حيث الجماعات الكردية الموالية لحزب العمال الكردستاني التركي، التي تسعى أنقرة للمصالحة معها لسد الطريق على كل الأطراف المعادين لها في المنطقة.



