الاقتصاد العراقي بين التحديات والمستقبل المجهول

ما حقيقة المخاوف المطروحة؟
المراقب العراقي / أحمد سعدون
تدخل البلاد مرحلة سياسية جديدة مع تحول الحكومة إلى تصريف أعمال، ما فتح الباب أمام موجة واسعة من التحذيرات الاقتصادية التي بدأت تتردد بقوة في الشارع والدوائر الاقتصادية، فالمواطن الذي عاش سنوات طويلة بين تقلبات الاسعار وتراجع الخدمات وأزمات الموازنات يشعر اليوم بأن البلاد تقف على حافة منعطف جديد، فيما يتساءل كثيرون عن حقيقة المخاوف المطروحة، هل هي تهويل إعلامي أم أن المرحلة المقبلة تحمل فعلاً مخاطر اقتصادية تستدعي القلق.
في مقدمة هذا المشهد، تبدو الصورة ضبابية، فالعملية السياسية في طور مرحلة جديدة من المشاورات لتشكيل الحكومة بعد إجراء انتخابات مجلس النواب وقد يستغرق ذلك شهوراً، وتترافق مع ذلك مؤشرات مالية مقلقة، بعضها يتعلق بارتفاع النفقات التشغيلية الى مستويات غير مسبوقة، وبعضها الآخر بضعف الإيرادات غير النفطية التي ما تزال عاجزة عن خلق توازن في الموازنة.
ويرى خبراء الاقتصاد أن “التحذيرات ليست بلا أساس، بل تقوم على مجموعة من المؤشرات الفعلية التي بدأت تظهر منذ منتصف العام، فالموازنة الثلاثية اعتمدت على تقديرات سعر نفط مرتفع قد لا يتحقق في الفترات المقبلة، كما أن حجم الإنفاق المتضخم يضع المالية العامة تحت ضغط مستمر، مؤكدين أن “الحكومة بصفتها الحالية لا تستطيع تمرير إصلاحات جوهرية او اتخاذ قرارات استراتيجية، ما يعني تجميد الكثير من المشاريع والخطط المالية التي كانت تهدف إلى تقليل العجز، لافتين الى أن مرحلة تصريف الاعمال تعني بطبيعتها ضعف القدرة التنفيذية، في اتخاذ قرارات تقلل من وطأة الازمة الاقتصادية في حال حدوثها”.
ويذهب بعض المختصين الى أبعد من ذلك، محذرًا من أن البلاد قد تواجه خلال العام المقبل فجوة مالية بسبب تراجع الايرادات وتزايد الالتزامات، خصوصا إذا لم يتم تعديل السياسة المالية الحالية، مؤكدًا أن غياب الرؤية الواضحة سيؤدي الى تأجيل القرارات، والتأجيل بحد ذاته مشكلة لأنه يضاعف الأعباء، مشيرا الى أن استمرار الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات يجعل الاقتصاد عُرضة لأي هزة عالمية، وقد تؤدي التقلبات السعرية الى إرباك في التمويل الشهري للرواتب”
ومع خروج الحكومة من صلاحياتها الكاملة، بدأت الاسئلة تتكاثر حول مستقبل القرارات الاقتصادية الكبرى، وكيفية إدارة الملفات الحساسة مثل تمويل الرواتب والاستثمار والنفقات الطارئة، وفي ظل هذا الغموض، يشعر الشارع بأن كل تأخير في القرارات سيعمق حالة الترقب وهواجس الخوف على مصير البلد الاقتصادي.
وحول هذ الموضوع أكد الخبير الاقتصادي د. عبد الرحمن المشهداني في حديث لـ” المراقب العراقي”، أن “الحكومة الحالية، بصفتها حكومة تصريف أعمال، غير قادرة على إضافة مشاريع جديدة او اعتماد آليات صرف مختلفة، مبيناً أن “الإنفاق سيكون مُقيَّداً بما هو متاح للمشاريع المستمرة فقط، دون أي توسع جديد”.
وأضاف المشهداني، أن ” تمرير الموازنة العامة ينتظر تشكيل الحكومة المقبلة، وعلى أساسها سيتم وضع آليات جديدة للجانب الاستثماري، لافتاً الى أن الموازنة كان يفترض أن تكون ثلاثية، لكنها لم تمرر لعام 2025، كما لم تدرج فيها مشاريع استثمارية جديدة”.
واستبعد المشهداني” حدوث أزمة اقتصادية حادة رغم التحذيرات التي يطرحها بعض المحللين،” لافتاً الى أن” الصرف سيجري وفق قاعدة 1/ 12 من إجمالي إنفاق عام موازنة 2023، مضيفاً أن” النفقات التشغيلية ستستمر بشكل طبيعي، فيما ستتوقف النفقات الاستثمارية للمشاريع الجديدة، لكنها ستبقى مستمرة للمشاريع التي تم رصد تخصيصات مالية لها “.
وبين هذا وذاك يبقى السؤال قائما، لماذا لم تصارح الحكومة المواطنين بحقيقة الوضع المالي بشكل كامل وهل هناك رغبة في تهدئة الشارع أم خشية من ردود الفعل؟!، أم أن المؤسسات الحكومية نفسها لا تمتلك صورة دقيقة عن حجم التحديات المقبلة؟، هذا الصمت الرسمي يترك طرح التساؤلات في مساحة مفتوحة للتكهنات، ويمنح المحذرين مساحة أوسع للتأثير.



