سورية في النهاية.. تمخضت الثورة فولدت هزيمة

بقلم/ د. إدريس هاني..
اليوم تستمر الكوميديا السياسية في نحت صورة مفارقة عن مستقبل منطقة تترنح تحت طائلة ثنائية الهيمنة والبلاهة، لعل أهم تطور في الجغرافيا المنكوبة للشرق الأوسط، هو التحول من إرهاب الجماعات إلى إرهاب الدولة، أعني حين تمت ترقية الإرهاب الوظيفي من رتبة إمارة إلى رتبة دولة، حينئذ ندرك الفرق بينهما، فإرهاب الدولة مبرر بمنطق القوة، وهو هنا مبرر مرتين، يكفي ابتسامة وتلويحة رضيّة باتجاه الاحتلال، لتظفر باستقبال من خلف المكتب البيضاوي. شيء لا بدّ منه في عصر الإهانة.
حين كانت سوريا تتهيّأ قبل سنوات لاستقبال بيل كلينتون، لفت انتباهي يومها عملية التهيؤ والترتيب وتنظيم المكان، لا سيما طريق المطار. كنت يومها في دمشق، حين جعلت تلك الزيارة الشعب السوري يشعر بالسيادة والكرامة، أما الراحل حافظ الأسد فقد جعل الدولة العظمى تأتيه حبوا حين كان الجميع يدرك بأنه لا سلام من دون دمشق، ارتقى حافظ الأسد بسوريا ناحية الدول التي تحترم سيادتها وقرارها، وهذا رأي من استقبلته دمشق من قادة الغرب والشرق. حافظ الأسد باني سوريا وقائد التصحيح ومرسي قواعد الاشتباك بضمانة معاهدة مورفي-الأسد. وقد أخبرني رتشارد مورفي بأن حافظ الأسد كان ذكيا وقويا، وهو الانطباع الذي سنجده عند كل من التقاه، من يا ترى خطط للثّأر من كرامة الشعب السوري؟.
بعد أن تغنّى أطفال الشام: (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس اللي ما بتغيب)، ها هم يكتبونها على حافة الغروب. وبعد أن نادوا: (زيّنوا المرجة، والمرجة لينا…)، لطخوها بعنف تورابورائي، وباتت المرجة وغيرها للشيشاني والايغوري والقوقازي.
هل كنّا في حاجة إلى هذا الزلزال من الشعارات التي تذكي أحلام اليقظة، ونستهين بنسيج اجتماعي مستقر ونجعل من الديمقراطية ورقة “تيرسي” في سباق الكلاب، لنبرر امتثال موقف إمبريالي محسوب بمساطير جيوستراتيجية دقيقة، ثم بعد أن يبلغ التطرف محلّة، نغير اللّوك، ونفتح صنبور التنازلات القومية، ونبرر ما لم نبرره من قبل، من كان متطرفا يهدم الأوثان والذاكرة الحضارية يسترخص اليوم قطعة أول نوطة موسيقية- هي مُلك للأمة- إلى شخص لا يدري ما فقه الحضارات؟.
أي قيمة لصياح الديكة بعد انتهاء الفجر؟ الإئتلافات تصيح وتتباكى وانفتحت لديها قريحة نقد الوضع الراهن، ولكنها تخشى من الحقيقة، حقيقة أنّهم وضعوا سوريا في كف عفريت. لا حريات ولا وفرة ولا سيادة… سيصعب على من تفرّس في سلالة داعش خيرا، أن يعترف اليوم بهذه الكآبة السياسية، بمصير يجهله الشعب السوري الذي تمّ احتقار تأريخه من خلال هذه المسرحية السمجة، كانت النتيجة: تفكيك واحدة من الجيوش الكبرى في المنطقة، إسقاط قلعة أساسية في الشرق الأوسط، تفكيك كل الامتيازات والمكاسب التي حققتها سوريا على الصعيد الاجتماعي، تبهدلت سوريا، وبعد الأسد استأسد بنات آوى. أما الظلاميون الذين سفقوا لسقوط دمشق، فهنيئا لهم بإمارة(إُدْلِبجان)، بالمسرح الفج.
من ينتظرون أفقا أفضل في سوريا، واهمون، دمشق في منظور الكيان تبدو ساقطة عسكريا، من قلعة الصمود إلى زريبة المحميين، ثم وبكل وقاحة نتحدث عن الشعب السوري.
سيكتب التأريخ أنّ بهاليل الظلامية عبيد الإمبرياليين كانوا دائما خنجرا في خاصرة الأمن القومي العربي. ومهما حاولوا الهروب والنط بين القضايا ومحو آثار مواقفهم التهريجية، فمسرحياتهم الهاويّة لن تستغفل التّأريخ، وستلاحقهم لعنة الشام التي أربكوا استقرارها. شيء مهم له علاقة بمكر التأريخ، وهو أن الذين اعتقدوا يوما أن المصالح قد التقت بين الأطراف، يدركون اليوم أن الآمر الإمبريالي اختار لهم، و”غصبا عن اللي خلّفوهم”، أميرا داعشيا وجيشا انكشاريا، هل أدركتم اليوم معنى عنوان: تنظيم الدّولة؟ سيفتعلون حربا ضد داعش من أجل داعش، حيث الإمبريالية تؤمن بأنه لا مشاح في الاصطلاح.



