اخر الأخبارالنسخة الرقميةتقارير خاصةسلايدر

البصرة محافظة ثرية اقتصادياً لم تنصفها الحكومات المتعاقبة

رغم زيارات المسؤولين المتكررة


المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
إن محافظة البصرة تُعد القلب النابض لاقتصاد العراق والمصدر الرئيس لتمويل موازنته العامة، ونظراً للزيارات الاستعراضية الحكومية المستمرة ، إلا أن واقعها المالي والخدمي يعكس مفارقة مؤلمة، إذ تعاني حرمانا شبه تام من استحقاقاتها المالية والقانونية.
فالبصرة التي تنتج نحو ثلاثة أرباع النفط والغاز العراقي، وتسهم بما يزيد على مئة تريليون دينار سنوياً في خزينة الدولة، لم تتسلم هذا العام ديناراً واحداً من مخصصات تنمية الأقاليم أو من مبالغ البترودولار المقررة لها قانوناً وفق بيانات إحصائية صادرة عن الحكومة المحلية للمحافظة، كما أن إيرادات منافذها الحدودية، التي تمثل منفذاً رئيساً للتجارة الخارجية للعراق، لم تصل إلى خزينة المحافظة منذ شهر آب الماضي، ما جعلها عاجزة عن تنفيذ أية مشاريع خدمية أو تنموية كبرى.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة المالية وديوان الرقابة المالية، فإن البصرة ترفد الموازنة العامة بأكثر من 70 بالمئة من عائدات النفط المصدر عبر موانئها في الفاو وأم قصر، في حين لم تحصل إلا على أقل من واحد بالمئة من تلك العائدات كإنفاق محلي فعلي.
ويرى مراقبون أن” هذه المفارقة تمثل نموذجاً صارخاً لاختلال العدالة في توزيع الثروة بين المحافظات، حيث تمول البصرة الدولة بأموالها بينما تُترك لتعاني ضعفَ الخدمات والتلوث والملوحة ، بالإضافة الى انهيار البنى التحتية”.
وأكدوا أن “استمرار هذا الحرمان المالي أدى إلى تعطيل مئات المشاريع المحلية، خصوصاً في قطاعات الطرق والمياه والصحة والتعليم، لافتين الى أن المحافظة تمتلك المنافذ الحدودية والموانئ ولا تزال تعتمد على موازنات تشغيلية متواضعة، فيما تتزايد الحاجة إلى تخصيصات استثمارية لمعالجة الأزمات البيئية والخدمية المتفاقمة”.
في المقابل، تطالب الأوساط النيابية في البصرة بإعادة النظر بآلية توزيع العائدات وتفعيل قانون البترودولار بما يضمن حصول المحافظة على حصتها الكاملة من الإيرادات النفطية والجمركية، مشددين على ضرورة ربط الإنفاق المحلي بمستوى مساهمة المحافظات بتمويل الموازنة، لتصحيح الخلل البنيوي في السياسة المالية للدولة وتحقيق تنمية متوازنة بين المحافظات.
ولا يشكل استمرار هذا النهج المالي المركزي، بحسب مختصين بالشأن الاقتصادي، تهديداً فقط لواقع الخدمات في البصرة، بل يعمق الإحساس بالغبن لدى سكانها الذين يرون ثرواتهم تنقل إلى العاصمة دون أن تنعكس عليهم في فرص عمل أو مشاريع بنى تحتية، مبينين أن المحافظة التي توصف بأنها “رئة العراق الاقتصادية” ما زالت تشرب الماء المالح وتستنشق الغازات المنبعثة من حقولها النفطية، فيما تنتظر نصيبها العادل من ثروة تمول بها كل البلاد.
وفي ذات السياق أكد الخبير الاقتصادي د. فالح الزبيدي في حديث لـ” المراقب العراقي ” أن “ما تعيشه البصرة اليوم يمثل خللا بنيويا عميقا في إدارة الثروة الوطنية، مضيفاً أن المحافظة التي تمول الموازنة العامة بأكثر من مئة تريليون دينار سنويا لا تحصل على الحد الأدنى من استحقاقاتها المالية، سواء من مخصصات تنمية الأقاليم أو من مبالغ البترودولار التي يُفترض أن تعوضها عن آثار الإنتاج النفطي والتلوث البيئي.
وأضاف، أن” استمرار حرمان البصرة من إيراداتها، بما في ذلك عائدات المنافذ الحدودية، يعكس ضعف التنسيق بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، وبدوره أدى إلى تجميد مشاريع البنية التحتية والخدمات في المحافظة، مشيرا الى أن هذا الوضع يكرس حالة عدم التوازن في توزيع الثروة، حيث تذهب معظم الإيرادات إلى المركز بينما تبقى المناطق المنتجة للنفط في حالة عجز تنموي واضح.
ولفت الى أن” معالجة هذا الخلل تتطلب تفعيل القوانين المالية المتعلقة بتوزيع الإيرادات بين المحافظات، ووضع آلية شفافة تضمن وصول الحصص المالية في مواعيدها دون تأخير، فضلاً عن تمكين الحكومات المحلية من إدارة مواردها بما يتناسب مع مساهمتها في تمويل الاقتصاد الوطني”.
ومن جانب آخر حذر مجلس محافظة البصرة الحكومة من استمرار تجاهل هذا الملف لأنه سوف يعمق الفجوة الاقتصادية بين المحافظات ويزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي في المناطق المنتجة، مشددا على ضرورة أن تتبنى الحكومة رؤية تنموية عادلة تضع البصرة في موقعها الحقيقي كعاصمة اقتصادية للعراق لا كمُموِّل صامت لبقية المحافظات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى