اخر الأخبارالنسخة الرقميةتقارير خاصةسلايدر

الرئاسات الثلاث تستنزف موارد الموازنة دون رقابة

في ظل التقشف والعجز المالي


المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
في خِضَمِّ الأزمات المالية المتلاحقة التي تعصف بالبلاد، وفي وقت تتحدث فيه الحكومة العراقية عن ضرورة ترشيد الإنفاق العام وتقليل العجز المالي، تظهر تقارير شبه رسمية حديثة، تشير الى أن نفقات رئاسة الجمهورية وحدها قاربت الأربعة مليارات دينار عراقي خلال الاشهر السبعة الاولى من عام الفين وخمسة وعشرين، دون وجود مردود ملموس أو عائد تنموي يبرر هذا الإنفاق الكبير.
هذه الارقام تفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول طبيعة الإنفاق في مؤسسات الدولة العليا، وخصوصا الرئاسات الثلاث التي تحظى بموازنات ضخمة وصلاحيات مالية واسعة لكنها لا تخضع لرقابة حقيقية ولا تقدم بيانات شفافة للرأي العام.
رئاسة الجمهورية، التي يُفترض أن تكون مؤسسة رمزية تشرف على توازن السلطات وتحفظ الدستور، أصبحت واحدة من اكثر الجهات كلفة على الدولة، رغم غياب دورها التنفيذي او التأثيري الفعلي في القرارات الحكومية او المشاريع التنموية، أما رئاسة الوزراء، فهي الجهة التنفيذية الاولى في البلاد، لكنها أيضا شهدت نفقات ضخمة تشمل مخصصات عالية من سفرات وضيافة، وحمايات تفوق المعقول، بالإضافة الى الإسراف الكبير في النفقات على مشاريع ليس لديها جدوى اقتصادية او مردود مالي للبلاد ، خصوصا في فترة الأشهر الأخيرة التي تسبق الانتخابات.
أما رئاسة البرلمان كذلك ليست بعيدة عن هذا المشهد، فهي تستنزف أموالا ضخمة تهدرها بصيغة امتيازات لأعضائه، ونفقات تشغيلية لا تنعكس إطلاقا على جودة التشريع او الرقابة البرلمانية المفترضة طيلة الدورات السابقة والحالية، وترحيل الكثير من القوانين المهمة الى الدورات اللاحقة .
مراقبون للشأن الاقتصادي أكدوا أن “غياب الشفافية في كيفية صرف هذه الاموال يزيد الشكوك ويكرس انعدام الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم، مؤكدين أنه لا توجد تقارير تفصيلية منشورة توضح أين تذهب هذه المبالغ، وما هي الجدوى الفعلية من هذا الإنفاق، خصوصا في ظل ازدياد معدلات الفقر وتراجع الخدمات الاساسية في معظم المحافظات”.
ولفتوا الى أن ” المواطن الذي يسمع عن مليارات تُصرف شهريا على مؤسسات عليا، ثم يخرج في اليوم التالي ليجد المستشفى بلا أدوية، والمدرسة بلا مقاعد، والطريق بلا تعبيد، لا يمكن إقناعه بأن الدولة تسير في الاتجاه الصحيح”.
من جانب آخر أكد مختصون أن “الإنفاق غير المنتج الذي تلتهمه الرئاسات الثلاث لا يُسهم فقط باستنزاف الموازنة العامة، بل يضر ايضا بسمعة العراق أمام المجتمع الدولي والمؤسسات المالية المانحة، التي تراقب عن كثب مستوى كفاءة الإنفاق العام ومدى التزام الحكومة بمبادئ الاصلاح والشفافية، مبينين أنه عندما تلاحظ تلك الجهات أن الحكومة لا تسيطر على نفقات مؤسساتها العليا، ولا تفرض عليها رقابة صارمة، تصبح أية جهود للحصول على دعم دولي أكثر تعقيدا، وتفقد الدولة مصداقيتها”.
وفي السياق ذاته، أكد المهتم بالشأن السياسي رياض الوحيلي في حديث لـ”المراقب العراقي” أن “الوضع لا يحتمل المزيد من التبريرات او التجاهل، فالعراق يحتاج الى مراجعة جادة وشاملة لبنية الإنفاق الحكومي، تبدأ من الاعلى لا من القاعدة”.
وشدد الوحيلي على ضرورة، أن” تخضع الرئاسات الثلاث، كسائر مؤسسات الدولة، الى الرقابة المالية الصارمة، ويجب تحديد سقوف واضحة لنفقاتها وربطها بأداء ملموس يعود بالفائدة على المواطن، لافتا الى أنه لا معنى أن تتحدث الدولة عن تقشف بينما تبقى هذه المؤسسات في منأى عن التقنين، ولا جدوى من خطط إصلاح لا تشمل المراكز العليا التي تهدر المال العام تحت عنوان البروتوكول او التمثيل الرسمي”.
وأشار الى أن “كل دينار يُصرف من المال العام يجب ان يكون له أثر، سواء في تحسين الخدمة، او دعم مشروع، او خلق فرصة عمل، أما استمرار الإنفاق على مؤسسات لا تقدم مردودا موازيا لحجم ما تتلقاه من اموال، فهو تأكيد لاستمرار الفشل، وتكريس عدم العدالة، وتوسيع الفجوة بين الشعب والسلطة”.
فيما يرى مراقبون أن الإنفاق العام ليس مجرد أرقام في جداول وزارة المالية، بل هو انعكاس مباشر لرؤية الدولة تجاه شعبها، فإمَّا أن يكون أداة للبناء، أو يبقى أداة لإضعاف الثقة وإنهاك الموازنة وإهدار الفرص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى