خزينة الدولة تعاني شُح الموارد وسطوة الفاسدين

رغم ارتفاع الصادرات النفطية
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
منذ ساعات الفجر الأولى، تتحرك شاحنات النفط العراقية من الموانئ والحقول نحو الاسواق العالمية، مُحمَّلة بثروة هائلة يفترض أن تكون مصدر رفاه للشعب، لكنها غالبا ما تتحول الى أرقام على الورق لا يشعر بها المواطن في حياته اليومية، رغم أن العراق جاء في المرتبة الثانية ضمن تقرير منظمة أوبك مؤخراً كأكبر منتج للنفط في شهر أيلول من عام 2025، إلا أن هذه الزيادة في الانتاج لم تنعكس على الاقتصاد الداخلي ولا على الخدمات الاساسية التي يحتاجها الناس.
ويرى متابعون للشأن الاقتصادي أن العراق يعاني خللا عميقا في إدارة وارداته النفطية، حيث تذهب غالبية الاموال الى جيوب الفاسدين او تنفق بطريقة لا تخضع للرقابة الحقيقية، ويضيفون أن ما يتحقق من أرباح بسبب ارتفاع الانتاج او اسعار النفط لا يتم استثماره في مشاريع تنموية او تطوير البنية التحتية، بل يضيع في حلقات الفساد المالي والإداري، هذه المشكلة ليست جديدة، لكنها تتفاقم مع كل تقرير دولي يُظهر ارتفاع العوائد دون أثر ملموس على حياة الناس.
الواقع يشير الى أن العجز لا يكمن في قلة الموارد، بل في غياب الادارة الرشيدة لهذه الموارد، فعلى الرغم من امتلاك العراق واحدا من أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، إلا أن مؤشرات الفقر والبطالة وسوء الخدمات ما زالت مرتفعة، بالإضافة الى استمرار الشكاوى من غياب الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وتدهور التعليم والصحة، ما يجعل الكثير من المواطنين يتساءلون عن مصير الاموال التي تجنيها الدولة من بيع النفط.
ويقول مختصون في الشأن المالي إن موازنة العراق لا تعكس فعلياً ما يجنيه من صادرات النفط، وإن اغلب التخصيصات تذهب الى ابواب لا تعود بالنفع العام، مثل الرواتب الباهظة لبعض الفئات، والمشاريع الوهمية، والعقود التي تُمنح لشركات تابعة لاحزاب او اشخاص متنفذين، ويشيرون الى أن الرقابة على الإنفاق تكاد تكون معدومة، ما يفتح المجال لتضخيم الارقام وتلاعب واسع في العقود والمشتريات الحكومية.
هذا الواقع يدفع الى تأكيد ضرورة اعتماد الشفافية والرقابة الفعلية على العائدات النفطية، وربط الإنفاق بخطط تنموية مدروسة تضع مصلحة المواطن في المقدمة، كما ينبغي ان تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد وتجفيف منابعه، وأن لا تتحول تقارير المنظمات الدولية الى مجرد ارقام للاستهلاك الإعلامي، بينما تستمر المعاناة على الارض.
وفي هذا السياق، أكد المهتم بالشأن الاقتصادي والسياسي قاسم بلشان في حديث لـ”المراقب العراقي” أن العراق يشهد مفارقة مؤلمة، حيث تزداد عائداته النفطية بشكل كبير، لكن أثر هذه العائدات شبه معدوم على أرض الواقع، مضيفا أن الأموال التي تدرها صادرات النفط لا تدخل دورة اقتصادية تنموية حقيقية، بل يتم امتصاصها عبر شبكة معقدة من الفساد، تبدأ من التخصيصات وتنتهي بمقاولين وشركات وهمية مرتبطة بجهات سياسية.
ويرى بلشان، أن العراق بحاجة ماسة إلى خارطة طريق مالية تبدأ من ضبط الإنفاق العام ووقف النزيف المالي، مع ضرورة إنشاء صندوق سيادي حقيقي يحفظ فائض النفط للأجيال القادمة ويُستخدم فقط ضمن ضوابط صارمة.
ولفت الى أن العراق لا يعاني قلة الموارد، بل من غياب العدالة في توزيعها وسوء استخدامها، محذرا من تحويل هذه النعمة المهدورة إلى عبء دائم ما لم يُعَدِ النظر في إدارة موارده بطريقة علمية وشفافة، وتحت رقابة وطنية حقيقية.
وضمن هذه المعطيات أكدت تقارير دولية أن الحكومة العراقية لا تزال تتعامل مع ملف النفط بمنطق التخصيص لا التنمية، حيث توزع العائدات كغنائم سياسية بدلاً من أن تُستثمر في بناء الدولة، وهكذا يبقى المواطن العراقي محروماً من ثروته، لا يرى منها إلا تصاعد الأرقام في التقارير العالمية.



