الأزمة الاقتصادية تفتح أبواب المصارف للمتنفذين وتغلقها بوجه المواطنين

قروض حكومية بلا عدالة
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
بسبب الأزمة الاقتصادية التي بانت ملامحها بشكل واضح على أوضاع البلد نتيجة الإسراف الكبير في الإنفاق على مشاريع غير مجدية وكثرة التعيينات غير المدروسة، بدأت انعكاسات هذه الأزمة تظهر بشكل مباشر على القروض التي تمنحها المصارف للمواطنين، حيث تراجعت معايير العدالة والشفافية في منح القروض، بالرغم من وجود ملاحظات مستمرة على الفوائد المرتفعة التي تُفرض على هذه القروض، إلا أنها ما تزال تُعد مفيدة لشريحة واسعة من المواطنين، وخاصة قروض الإسكان التي تمثل حلاً مهماً للكثير من العائلات الباحثة عن الاستقرار، إلى جانب قروض أخرى ترتبط بشكل مباشر بحياة المواطن مثل القروض الصحية والتعليمية والاستهلاكية، لكن ما حصل فعلياً هو أن المصارف، وخاصة مصرفي الرافدين والرشيد، بدأت تتجه نحو منح هذه القروض وفق معايير غير واضحة، تركز على المقربين والمحسوبين والمعارف، بعيداً عن برامج الأتمتة التي سبق أن أعلنت عنها الحكومة بهدف تسهيل الإجراءات وتحقيق الشفافية، حيث تم التراجع عنها بشكل فعلي والعودة إلى الأساليب الورقية التقليدية التي فتحت المجال واسعاً أمام التلاعب والتحايل والمحسوبية، مما أضعف ثقة المواطن بالمؤسسات المالية وفاقم شعوره بعدم الإنصاف في توزيع الفرص المالية.
هذا التراجع عن الأتمتة لا يُعد مجرد إخفاق إداري بل يعكس توجهاً ممنهجاً لإبقاء السيطرة بيد من يمتلك النفوذ داخل المؤسسات المصرفية، حيث أصبح من المعتاد أن يُرفض طلب قرض لمواطن مستحق بحجة نقص المستندات أو شروط غير متوفرة، في الوقت الذي تُمنح فيه القروض نفسها لأشخاص آخرين دون تدقيق حقيقي فقط لأنهم يمتلكون علاقة داخل المصرف أو يتبعون لجهات مؤثرة، وهذا التمييز لا يقتصر أثره على الجانب المالي بل يفقد المواطن الشعور بالثقة في مؤسسات الدولة وقدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية، خاصةً أن القروض تمثل شرياناً مالياً مهماً في ظل الغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار.
فيما يرى مختصون أن الكثير من المبادرات التي أعلنت عنها الحكومة بخصوص دعم القروض أو تخفيض فوائدها لم تكن سوى وعود غير مُفعَّلة على أرض الواقع، أو طبقت بشكل محدود وبيروقراطي دون نتائج ملموسة، الأمر الذي جعل المواطن يشعر بأن هذه القروض باتت حكراً على فئة معينة، بينما تتضاعف معاناة الآخرين بسبب الروتين والتأخير وغياب آليات الحسم العادل.
ولفتوا الى أن ما يجري في ملف القروض ليس حالة عشوائية عابرة بل نتيجة تراكمات في السياسات المالية وسوء التخطيط، حيث يؤكدون أن غياب الرقابة الحقيقية وترك ملف الإقراض بيد جهات لا تعتمد معايير مهنية واضحة أضرَّ بالثقة بين المواطن والمؤسسات المالية، مشيرين إلى أن الفوائد المرتفعة ما هي إلا انعكاس لعجز المصارف عن تعظيم مواردها بوسائل منتجة، فتلجأ إلى تحميل المواطن أعباءً إضافية دون أن تقابله بخدمات حقيقية أو شفافية في التعامل.
وفي الشأن نفسه أكد المهتم بالشأن الاقتصادي قاسم بلشان في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “التراجع عن الأتمتة والتحول مجدداً إلى الورقيات لم يكن بدافع فني أو تنظيمي بل جاء نتيجة ضغوط داخلية تهدف إلى إبقاء الأبواب مفتوحة أمام التدخلات والتمريرات غير القانونية”.
وأضاف، أن” استمرار هذا النهج سيزيد من عزوف المواطنين عن التعامل مع القروض النظامية ويدفعهم نحو حلول مالية غير آمنة مثل الديون الشخصية أو السوق السوداء، ما يؤدي إلى مضاعفة الأزمات بدلاً من احتوائها”.
وشدد على ضرورة “إعادة هيكلة ملف الإقراض بالكامل وربطه بنظام مركزي إلكتروني موحد، مع مراجعة الفوائد وتطبيق مبدأ الأولوية للمستحقين فعلياً، بالإضافة الى تفعيل رقابة مالية وقانونية صارمة على المصارف التي تستغل نفوذها لتمرير قروض لصالح المحسوبين والمعارف”.
وحذر بلشان من “أن استمرار هذا الوضع دون معالجة سيفاقم حالة الاحتقان الاقتصادي والاجتماعي ويزيد من الفجوة بين المواطن والدولة.
وفي ظل هذه الازدواجية المصرفية في التعامل سيبقى ملف القروض وانحرافه عن مساره الطبيعي يُعمق آثار الأزمة الاقتصادية على المواطن ويزيد شعوره بالتهميش وعدم المساواة.



