“الكرخية” رواية عن أسرار الأسر الارستقراطية البغدادية في القرن الماضي

كاتبها يستعيد حقيقة مُغيبة
المراقب العراقي / المحرر الثقافي…
يُعد الروائي خضير فليح الزيدي واحدا من الكتاب المبدعين الذين أثبتوا حضورهم في الساحة الأدبية خلال العقدين الأخيرين ، وبوصفه أحد الأصوات المميزة في المشهد السردي العراقي المعاصر عبر أكثر من خمسة عشر إصدارا، تنوعت أعماله بين الرواية والكتابة السردية التي لم تلتزم حدود الأشكال التقليدية، بل تجاوزت التجنيس إلى فضاءات التجريب، حيث تتقاطع المغامرة مع نزعة الاكتشاف، في محاولة مستمرة لاستقصاء مناطق جديدة في أفق الكتابة التي تتيح له التعبير عن الماضي والحاضر وحتى المستقبل عبر استنطاقه المكان والكتابة عن زمان لم يعِشِ الكثير من تفاصيله لكنه وريث له من حيث يدري أو لايدري.
الشيء اللافت للنظر أن معظم أعمال الزيدي أشبه بمختبرات تشتغل على تفكيك الزمن بطبقاته الاجتماعية، مستنطقة تفاصيل الحياة اليومية بما تحمله من مهن وأزياء وعادات وأصوات وأسماء وروائح، تلك التفاصيل التي تشكل القشرة الملموسة لهوية المدينة العراقية، وتجسد نبضها الإنساني المتوتر بين الطموح والانكسار فهذه المواضيع هي الديدن الدائم له في الكتابة.
الزيدي كان قد أكد في حوار مع إحدى المجلات العربية انه يحق للروائي الذهاب بعيدا في ابتكار ما لم يُبتكر من قبل، من غير شروط وقواعد، ومن غير التلويح بهراوات الإملاءات والروائي يحق له اكتشاف جغرافيا الأماكن عبر التخييل العالي المرسوم بسيناريو دقيق الحرفة، وهنا تراه يبتكر اللعبة إثر اللعبة، ومنها طبعا تقنيات ما بعد القص، كالوثائق والشخصيات التأريخية والأمكنة الحقيقية، وأخرى مقاربة، كي تنجح لعبة الإيهام بقوة المعنى أو بقوة الدلائل المبثوثة من الحدث والشخصية المقاربين للحياة. هنا يبرز الإلزام الحاد لقوة ابتكار ألعاب جديدة مكتشفة خارج الأطر التقليدية لذلك تنفتح أمام الروائي الاحترافي مساحات شاسعة تتيحها له تقنيات ما بعد القص، وهو ما عمل عليه في روايته الجديدة التي كشف عن الانتهاء من كتابتها والتي تحمل عنوان “الكرخية” وهي تتناول بعض أسرار الأسر الارستقراطية في بغداد خلال الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي.
وقال الزيدي في تصريح خص به “المراقب العراقي” إن ” الرواية تنتمي بشكل أو آخر الى صنف الرواية التأريخية التي غالبا ماتكون مادتها وموضوعها مستمدَّينِ من قصص حقيقية ومضاف لها بعض الإضافات الأخرى التي تكمل جمالية الحكاية المطلوب إيصالها إلى القارئ و” الكرخية” رواية تندرج في هذا الإطار” .
وأضاف أن” عنوان “الكرخية” الذي اخترتُهُ للرواية لم يأت اعتباطا فهي تتناول بعض أسرار الأسر الارستقراطية في مناطق كرخ بغداد خلال الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي وله ارتباط بجذر الحكاية حيث إن الشخصية المحورية فيها هي امرأة وريثة لأسرة يحاول الجميع الزواج منها للسيطرة عليها ونهب ثروتها”.
وتابع أن” الشخصية المحورية ذكية واكتسبت خبرة كبيرة في التعامل مع الآخرين، لذلك ترفض الزواج من أولاد عمها الذين خسروا ثروات آبائهم في لعب القمار وترفض الرضوخ لرغباتهم بالسيطرة عليها فتستعين بأحد كتاب العرائض لمساعدتها في التخلص من مأزقها ومن هنا تبدأ أحداث الرواية الحقيقية والمشوقة التي يستطيع القارئ التعرف إلى بقية القصة فهنا ينكشف العديد من الأسرار التي تظهر من خلال الحديث بين البطلة وكاتب العرائض “.
واشار إلى أن” الرواية إبداع جمالي وهي في الوقت ذاته لعبة تخييل بالغة الدقة من حيث الصنعة، تشبه في صناعتها “دمية باربي” التي يتماهى معها الأطفال كثيرا، بل يتفاعلون مع كينونتها كونها قريبة جدا من أحلامهم، والرواية الناجحة، أعني تلك التي تبقى عالقة في ذهن القارئ بعد الانتهاء من القراءة كشخصيات، ووقائع، وأمكنة هي لعبة لمن يجيد فن إقناع القارئ اللبيب بأن ما يجري قد جرى حقيقة، وهو ما عملتُ عليه في هذه الرواية التي انتهيت من كتابتها بعد أكثر فترة تُقارب العام تنتمي إلى واقع وحقيقة لكنها تغوص في الخيال عبر الدخول من بوابة التأريخ القريب الذي سمعنا بعض قصصه من أبائنا ومن الممكن تحويلها الى روايات “.



