اراء

العلاقات الصينية – الهندية.. تايلند مستفيدة

بقلم: جمال واكيم..

في خبر يدعو إلى الاستغراب، أُعلن عن عزم الصين، إجراء مناورات عسكرية جوية مع حليف تقليدي للولايات المتحدة وشبه عضو في حلف شمال الأطلسي الناتو وهو تايلند. وتمثل تايلند، واحدة من الدول المحورية في جنوب شرق آسيا بحكم موقعها الجغرافي الذي يتوسط شبه الجزيرة الهندية – الصينية، وحدودها البحرية الممتدة على خليج تايلند وبحر أندامان، وقربها من الممرات البحرية الحيوية التي تربط المحيط الهادئ بالمحيط الهندي. هذا الموقع جعلها عبر التأريخ نقطة تقاطع للتجارة والثقافة، وفي الوقت نفسه ساحة تنافس بين القوى الكبرى والإقليمية. ومع صعود الصين كقوة عالمية، وتعزيز الولايات المتحدة لتحالفاتها في المنطقة، وسعي الهند إلى توسيع مجالها الحيوي في المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا، برزت تايلند، لاعباً أساسياً في حسابات التوازنات الجيوسياسية الجديدة.

الخلفية التأريخية للعلاقات الصينية – التايلندية

العلاقات بين الصين وتايلند قديمة جداً وتمتد جذورها إلى قرون طويلة خلت، فقد استقر المهاجرون الصينيون في أراضي مملكة سيام وهو الاسم القديم لتايلند منذ القرن الرابع عشر ميلادي، وأسهموا في التجارة البحرية التي ربطت الصين بجنوب شرق آسيا. مع مرور الوقت، أصبح المهاجرون الصينيون، جزءاً رئيساً من النسيج الاقتصادي والاجتماعي لتايلند.

تايلند.. محور اهتمام القوى الكبرى

خلال العقدين الماضيين، باتت تايلند محور التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين والهند.

فبالنسبة للولايات المتحدة فهي تعتبر تايلند، حليفاً رئيساً خصوصاً منذ عام 2003، وقد تعاون البلدان بشكل وثيق في مجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب.

كما تشارك تايلند بانتظام في المناورات المشتركة مع الولايات المتحدة مثل “كوبرا غولد”، وهي أكبر مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في آسيا، غير أن اعتماد بانكوك المفرط على واشنطن جعلها عرضة لضغوط سياسية، خاصة خلال فترات الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد، ما دفعها إلى البحث عن بدائل استراتيجية تمثلت بالتوجه لإقامة علاقات وثيقة مع الصين التي تعتمد سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

أما بالنسبة للصين، ومنذ إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، فقد أولت بكين أهمية خاصة لتايلند بوصفها حلقة وصل بين جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي. وقد دفع الاهتمام بالاستثمار في البنية التحتية، خصوصاً في السكك الحديد والطاقة، الصين، لأن تصبح شريكاً اقتصادياً لا غنى عنه لتايلند. ومع تعمق هذا الارتباط، اتجهت بانكوك إلى تعزيز التعاون العسكري مع بكين، ما أثار قلق واشنطن.

العلاقة مع الصين لمواجهة الهند

تهتم بانكوك بالتقارب مع الصين، لأنها تعتبر، أن الهند تشكل خطراً أكبر عليها، وهذا الذي دفعها لتعميق علاقاتها مع بكين. أما أحد المؤشرات البارزة على تقارب الصين وتايلند فيتمثل في المناورات العسكرية المشتركة الدورية بينهما. ففي عام 2025، نظمت الدولتان، مناورات جوية بعنوان “فالكون سترايك”. واللافت أن هذه المناورات جاءت مباشرة بعد مشاركة تايلند في تدريبات عسكرية مع الولايات المتحدة وأستراليا. وخلال العام الفائت، اشترت تايلند من الصين، معدات عسكرية متطورة، بما في ذلك غواصات وفرقاطات، في خطوة عدت تحولاً نوعياً عن اعتمادها التقليدي على الأسلحة الأمريكية.

مشروع قناة كرا الصينية

تعد فكرة شق قناة عبر برزخ كرا في جنوب تايلند لربط خليج تايلند ببحر أندامان أحد أهم المشاريع الاستراتيجية المطروحة منذ عقود والتي يمكن أن تدعم الأهمية “الجيواسيسية” لتايلند وتقدم أفضلية جيوسياسية بحرية للصين في إطار سعيها للوصول إلى طرق الملاحة البحرية في المحيط الهندي. فهذه القناة تقدم بديلاً عن مضيق ملقا حيث يمر حاليًا ثلث التجارة العالمية، علماً أن المضيق خاضع لسيطرة إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة التي ترتبط بعلاقات تبعية مع واشنطن.

إن متابعة تطور العلاقات الصينية التايلندية تكشف عن أبعاد متشابكة. فهي تعكس إعادة رسم لخريطة النفوذ في جنوب شرق آسيا، حيث لم تعد المنافسة، محصورة بين واشنطن وبكين، بل دخلت الهند لاعباً إضافياً.

بالنسبة لتايلند، فإن التحدي يكمن في الحفاظ على توازن دقيق بين القوى الثلاث، مع استغلال موقعها الجغرافي ومشاريعها الاستراتيجية مثل قناة كرا، لتعزيز مكانتها الدولية.

ويمكن القول، إن مستقبل هذه العلاقات سيعتمد على عاملين رئيسين أولهما مدى تصاعد التوتر الأمريكي – الصيني، وإذا ما كانت بانكوك ستضطر للاختيار بينهما، أما ثانيهما فيكمن في قدرة تايلند على تحويل مشاريعها الكبرى إلى واقع، بما يمنحها استقلالية استراتيجية أكبر بين القوى الكبرى المتنافسة. وتسعى تايلند اليوم إلى أن تكون جسر تواصل بين القوى الكبرى بدل أن تكون ساحة صراع بينها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى