غزة تواجه النسيان.. من يُذكّر العالم بما يجري؟

مصطفى جواد..
مع اقتراب مرور عامين على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، وما تبعها من أحداث دامية شهدها العالم بأسره، تقف غزة اليوم وحيدة في مواجهة آلة الاحتلال الصهيوني، تواجه الموت بصدر عارٍ، وكأنها تُترك لتُستنزف حتى آخر نفس.
وما يزيد الجرح عمقاً أن الأمة، مع تكرار المشاهد وتدفّق الصور على مدار الساعة، اعتادت الأمر، بل ربما استساغت النسيان أو التناسي، حيث مشهديّة الموت اليومي باتت مألوفةً إلى حدٍّ يثير الرعب أكثر من الرصاص ذاته، فالقتل يتصاعد، بينما ذاكرة الأمة تنحدر باتجاه عكسي.
لقد اعتدنا الصمت، أو الحديث بما تسمح به ألسنة الحاكمين، إلا من بضع مواقف متفرقة هنا وهناك. وكأنَّ بيت السيد مصطفى جمال الدين يصلح لوصف الحال:
“فعسى تستفيقُ ثاراتُ شعبٍ ** مَرَنَتْ عينُهُ على الإغفاءِ”
والمفارقة الصارخة أننا نرى جموعاً حاشدةً تملأ شوارع لندن وسيدني نصرة لغزة، بينما تعجز شوارع القاهرة أو الرياض – على سبيل المثال لا الحصر – أن تُخرجَ رعيلاً من أبنائها يوقظ ما تبقّى في الضمائر.
على مدى ما يقرب من سبعمئة يوم، تكشف الأرقام حجم الفاجعة: 63,776 شهيداً، 167,293 جريحاً، أكثر من مليوني نازح، 18,700 معتقل، وقرابة 193 ألف مبنى مدمَّر، منذ السابع من أكتوبر 2023. أرقامٌ تتحدث ببلاغة لا تحتاج إلى تعليق، وتصرخ في وجه العالم: كيف يمكن أن يتحوّل الموت المتكرر إلى خبر عابر؟
إن وجع الغزّيين من نسيان العالم لهم لا يقلّ مرارة عن وجع فقدان الأحبّة أو ضياع الديار. فالعدو فصيحٌ في الإعلان عن أهدافه، بينما يختبئ عالمنا العربي والإسلامي خلف بيانات خجولة وفعاليات هزيلة.
إن هذا الصمت لا يعبّر عن عجز فقط، بل عن حالة تطبيع خطيرة مع الجريمة. فالخطر الأكبر ألّا يظل القتل مجرد جريمة تُستنكر، بل أنْ يتحوّل إلى روتين تتكيف معه الذاكرة الجماعية، حتى يغدو خبر سقوط عشرات الشهداء لا يثير سوى سطر عابر في نشرات الأخبار.
ويبقى السؤال المعلَّق: من يعيد تذكير العالم بأن غزة تموت على مدار الساعة؟ وهل يُصبح تكرار القتل مبرراً لتجاهله أو التعايش معه؟ أليست هذه الجريمة المستمرة أكبر امتحان لضمير أمة المليار؟
إنَّ تذكير العالم ليس ترفاً، بل واجبُ حياة أو موت لغزة.



