القلب السليم مصنع السعادة

القلب من الناحية البيولوجية، هو أحد أهم أعضاء الجسم البشري، وهو المضخة التي تجعل الإنسان على قيد الحياة طالما كانت تنبض وتعمل دونما توقّف، فالجسم يتحرك ويتنقل وينتج وينشط وينام أيضا، ولكن في جميع هذه الحركات والسكنات يبقى القلب آلة لا تتوقف عن العمل، دونما كلل أو ملل، فتقدّم الحياة للجسد على طبق من ذهب.
فهل نكتفي بهذا الوصف المهني العملي للقلب، أم هناك توصيفات مهمة أخرى يجب أن ننصف بها هذا (الكيان) العضوي الذي حيّر العلماء وعامة الناس معا، فهذا القلب له مهام أخرى (ليست واقعية ولا مرئية)، إنه نبع المشاعر المختلفة للإنسان، كما أن بعض المهتمين والخطباء والمحاضرين، وصفوا القلب بأنه وعاء تتجمع فيه الأشياء الجيدة والسيئة معا.
وهذه الصفة الأخيرة للقلب تجعل منه متحكما بالإنسان، فيكون جيدا إذا كان قلبه نقيا نظيفا، ويكون عكس ذلك إذا كان هذا الوعاء مرتعا للأشياء الضارة السيئة، وهنا يسمى هذا القلب بالقلب غير السليم، وفي هذه الحالة يكون قلب الإنسان عبئا عليه، ليس هذا فحسب وإنما يجلب عليه الويلات من كل حدب وصوب، فالإنسان حين يكون قلبه ملوَّثا سوف ينتمي إلى الفئة التي تلوّث الحياة وتدمر البشرية ومنجزاتها، بل وتسيء حتى للآخرة.
هذا النوع من القلوب غير النظيفة، تكون حصّته من السعادة صفرًا، وبالتالي فإن صاحب هذا القلب يعيش حياته تعيسا إلى آخر لحظة، وعندما يموت تنتقل التعاسة معه فتكون آخرته بلا سعادة أيضا، وهو ما يسمى بالقلب غير السليم، لذلك إذا أراد هذا القلب أن يكون سليما عليه أن يحسّن علاقته بالبيئة الاجتماعية التي يتواجد فيها.
أما كيف يمكن تحقيق هذا الهدف، فإن هذا الأمر ليس سهلا، ولا مباحا لكل من هبَّ ودب، وإنما عليه أن يسعى للعيش في مجتمع صالح، وهذا يعني أنه يجب أن يشارك في صنع المجتمع الصالح المتمسك بالقيم الجيدة، والمجتمع الصالح هو حصيلة حتمية لمجموعة العلاقات والقلوب النظيفة التي تعيش فيه وتتعايش مع بعضها في انسجام ونقاء و وئام.
من المزايا المتوفرة للإنسان، إن فرصة اكتساب سلامة القلب متوفرة له، وهذا يتطلب سعيا كبيرا منه لتحقيق هذا الهدف، فالقلب لا يمكن أن يكون سليما من الفراغ، وإنما يجب على حامله أن يملأ هذا القلب بالطيبات الصالحات من المواقف والتصورات، وهذا يمكن أن يجري في إصرار الإنسان على اكتساب ما هو جيد من المجتمع والبيئة وزجّهِ في قلبه.
القلب يتقبّل كل ما هو جيد من الأشياء، ويمكن لصاحبه أيضا أن يملأه بالمساوئ، وهنا سوف يكون قلبا شريرا قاسيا يحوّل صاحبه إلى وحش يلهث وراء مكاسب الدنيا المغرية، ويهمل المكاسب الصالحة فيخلو قلبه منها، لذا يجب أن يسعى الإنسان لكسب الفضائل ويدخلها في قلبه حتى يكون سليما نظيفا..