Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخر الأخبارثقافية

لغة الفقد والتشظي في نصوص الشاعر عادل قاسم

رياض عبد الواحد..
تُبنى النصوص الشعرية على أنساق دلالية متداخلة، إذ لا يكون المعنى مجرد انعكاس مباشر للكلمات، بل هو فضاء مفتوح للتأويل. والنص الذي بين أيدينا يتكثف فيه الحزن والاغتراب في بنية لغوية مكثفة، تعتمد على المفارقة والصورة المركبة لإيصال تجربة وجدانية عميقة. يعالج الشاعر موضوع الرحيل، ليس بوصفه مجرد حركة مكانية، بل كفعل وجودي يعكس التلاشي والانطفاء الداخلي. وبواسطة تفكيك البنية السيميائية للنص، سنحاول الكشف عن الأنساق الدلالية التي تشكّل عالمه الشعري.
أولًا: سيميائية النصيص وعتبة الدخول
يبدأ النص من نصيص غير مصرح به مباشرة، لكنه ينبثق من الجملة الافتتاحية “نادماً ترحلُ.. ولا تستجيب”، إذ تُقدَّم الذات الراحلة بوصفها نادمة، مما يضع المتلقي أمام ثنائية متناقضة: الفعل والندم، القرار والتراجع الداخلي. هذه الثنائية تؤسس لفهم النص بوصفه رحلة داخلية تنقلب فيها الذات على مكنوناتها، ما يجعل النصيص الضمني للنص يدور حول “الرحيل الندم”، فيصبح الفراق ليس مجرد انفصال عن المكان، بل تمزقًا داخليًا يترك الذات في مواجهة الفراغ.
ثانيًا: سيميائية الفضاء والمكان الصامت
تلعب “الشوارع” دورًا مركزيًا في تكوين المشهد، لكنها ليست مجرد مكان، بل فضاء يتحول إلى كيان مؤثر في الذات:
“أثكلتْكَ الشوارعُ.. بصمتِها”
يستعمل الشاعر فعل “أثكلتْكَ”، وهو فعل يشير إلى الفقد والفجيعة، مما يجعل الشوارع كائنًا قاتلًا للذات، لكن بنحو غير مباشر، عبر “صمتها”. هنا يظهر الصمت ليس بوصفه غيابًا للصوت، بل حضورًا كثيفًا للخواء والوحشة. إن العلاقة بين “الأثْكَل” و”الصمت” تشير إلى أن الفقد ليس ماديًا فحسب، بل وجداني ونفسي، إذ يتضاءل حضور الذات في مواجهة مكان فقد حيويته.
ثالثًا: سيميائية الانطفاء والتلاشي
يتجلى فعل الانطفاء بوصفه استكمالًا لمسار الفقد الذي بدأ مع الشوارع الصامتة:
“فاْنطَفأْتْ..”
إن استعمال الفعل بصيغة الماضي يوحي بأن الانطفاء قد وقع بالفعل، وأن الذات لم تعد في طور الاحتضار، بل تجاوزته نحو الموت الرمزي. هذا الانطفاء لا يقتصر على الفعل وحده، بل يمتد إلى “الظل” الذي لم يعد رفيقًا وفيًا للذات، بل خلفه “ألفُ ذيب..!؟”.
إن صورة “الظل” تشير عادة إلى الارتباط بالوجود والهوية، لكن في هذا السياق، يتحول الظل إلى مكان تتكاثر فيه الذئاب، مما يعكس خيانة الرفاق أو تراكم الأخطار التي تلاحق الذات. إن استعمال الرقم “ألف” يعزز فكرة التضخيم والتهويل، ما يجعل المصير أكثر رعبًا.
رابعًا: سيميائية العيون والعمى الدلالي
يمثل فقدان البصر في الأدب تجربة رمزية تتجاوز فقدان الرؤية الحسية، لتصبح دلالة على العجز عن التمييز أو إدراك الحقيقة:
“ذوتْ عيونُكَ الدامعاتِ.. فما عُدتَ مُبْصراً لا يغيب”
إن اختيار “ذوتْ” يوحي بأن العيون لم تفقد وظيفتها دفعة واحدة، بل تآكلت تدريجيًا حتى وصلت إلى حالة العدم. هذا التلاشي التدريجي للعيون يتماشى مع مسار الانطفاء السابق، ليصل إلى الذروة في العجز عن الرؤية. لكن الملفت هو الإضافة الأخيرة “لا يغيب”، إذ يبدو وكأن العمى ذاته لا يغيب، بل يبقى، وكأن الذات عالقة في ظلام دائم لا فكاك منه.
الخاتمة
إن القراءة السيميائية لهذا النص تكشف عن بنية معقدة من التلاشي، حيث يتحول الرحيل من مجرد مغادرة مكانية إلى انطفاء داخلي يفضي إلى العجز التام عن الإدراك. تتضافر المفردات والصور الشعرية لتؤسس عالمًا تتلاشى فيه الذات تدريجيًا، سواء أمام صمت الشوارع، أو انطفاء الوجود، أو خيانة الظل، أو ذبول العيون. إنه نص مكثف، يترك مساحات واسعة للتأويل، ويعكس تجربة إنسانية تتأرجح بين الفقد والخيانة والعدم.
النص الاصلي
نادماً ترحلُ..
ولاتَستَجيب
فكل شيءٍ فيكً
صارَ غَريب
أثكلتْكَ الشوارعُ..
بصمتِها
فاْنطَفأْتْ..
وخلف ظلِّكَ
الفُ ذئب..!؟
ذوتْ عيونُكَ الدامعاتِ..
فما عُدتَ
مُبْصراً لايَغيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى