القرآن الكريم ومنطق الرياضيات والواقع الراهن
القاضي سالم روضان الموسوي..
يقول أحد الكتاب، ان القرآن الكريم وجّه نظر المسلم الى العد والحساب وعملياتـه، ولفت الانتباه الى مفـاهيم وعلاقات رياضية في آيات كثيرة، كما يرى آخرون بان القرآن ليس كتاب علوم أو اجتماع أو سياسة أو غير ذلك، وانما هو كتاب قد احتوى على نظام كامـل للحياة، وقد غطى مساحات واسعة من مجالات الحياة التي يمارسها الإنسان على الأرض.
وكان علماء المسلمين قد اعتقدوا بان الله تعالى قد زود كـل شـيء خلقـه معادلات رياضية وأودعها فيها لتعمل بكل دقة لا تقبل الخطـأ، لقولـه تعـالى في الآية 49 من سورة القمر (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، والمقصود من “التقدير” هو القانون الرياضي الذي ينظم حركته وعمله في هذا الكـون، ويشير السيد الطبطبائي في تفسير الميزان الى هذه الآية بان (الله قدر الشيء هو المقدار الذي لا يتعداه والحد والهندسة التي لا يتجاوزه في شيء من جانبي الزيادة والنقيصة)، كما أفاض المرحوم الدكتور أحمد أمين الكاظمي بكتابه الموسوم (التكامل في الإسلام) عن اهتمام القرآن الكريم بالعلاقات والمعادلات الرياضية.
ومناسبة هذا التقديم نشاط بعض الفاعلين في المشهد التشريعي والسياسي وكأنهم نالوا النصر المؤزر لنشاطهم، وان نصرهم على بعض أقرانهم من زملائهم في العمل اليومي، ويتباهون بمنجزهم الذي يعتقدون انه نصر لمن يمثلونهم، ويتنابز بعضهم البعض وكأن كل واحد منهم فرح بما نال، وهذا المشهد لفت الانتباه الى الآية الكريمة 53 من سورة المؤمنون (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
لكن هذا الجزء من الآية وما سبقها وما تلاها يدلنا على ان هذه الأحزاب وان كان يعتريها الفرح بما نالت، إلا ان ذلك لم يحصل إلا بعد ان تفرق جمع أمتهم الى فئات وأحزاب، حيث وصفهم القرآن الكريم في الآية الكريمة (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا)، وكان تفسير هذا المقطع من الآية الكريمة بان أصبحوا مجاميع وتكتلات وأحزابا وفرقا وفرقوا دينهم وعقائدهم، وهذه الصورة في المنطق الرياضي تعد بانها مقدمة لنتيجة لم تهملها الآية الكريمة، وانما أكدتها بان فرح هؤلاء الذين تفرقوا وأصبحوا أحزاباً متناحرة، لن يدوم فرحهم وان النتيجة الحتمية لهم ذكرها القرآن الكريم بان الله عز وجل تركهم يفرحون ويعمهون في غيهم والى حين من الزمن بقوله تعالى في الآية 45 من سورة المؤمنون (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ) ويقول ابن كثير في تفسيره بان معنى هذه الآية، ان الله يمهلهم الى أجل سيأتيهم وعند مجيئه سيأتيهم عذاب الله.
لذلك لنا اليقين التام المبني على يقين القرآن الكريم، بان هؤلاء الفرحين بقوانينهم التي نالوها بالطرق التي كانت محل طعن من قبلهم هم بأنفسهم، سوف لن يستمر فرحهم، وانما الى حين ومعناه في اللغة (وقت من الدهر مبهم طال أو قصر)، ويقول آخرون، ان الحين قد يكون مجهولا وقد يكون معلوما، لكن وقوعه محتوم.
وخلاصة القول الى من ينشر فرحاً بما حققه على حساب الآخرين الذين وضعوا ثقتهم فيه على تمثيلهم فانه بعد ان شتت جمعهم بتحزبه لفئة دون أخرى سوف لن يطول فرحه إلا ويأتيه الحين الذي بشر به القرآن الكريم وقرره بمعادلة رياضية مقدمتها تمثلت بتبني هؤلاء خطاب التفرق والتشتت، فتكون نتيجتها ان غمرتهم تكون الى حين وسينالون ما يستحقون، وإنها مشيئة الله ومنطق الرياضيات الذي تبناه الرحمن بخطابه الكريم المبني على العقلانية والواقعية تؤكد ذلك مثلما نقل التأريخ أخبار من سبقهم.