اراء

مخططات التقسيم ومخاطر استنساخ أحداث سوريا في دول المنطقة

بقلم: إيهاب شوقي..

لا شك أن ما حدث في سوريا وتطوراته المستمرة سيظل فترة طويلة محل اهتمام كل وسائل الإعلام العالمية والإقليمية، كما سيتوقف مستقبل المنطقة والصراع الدولي على مآل هذه التطورات، خاصة أن سوريا تمثل عقدة للصراعين الإقليمي والدولي، وأن طريقة سقوط النظام تمثل نموذجاً يمكن تصديره وتكراره لدول أخرى بالمنطقة، وخاصة الدول المجاورة للكيان الصهيوني مثل الأردن ومصر، وكذلك ممالك الخليج التي تتربص بها تنظيمات تنتمي لذات مدرسة جبهة النصرة والفصائل التي أسقطت النظام في سوريا، وبعد ما بدا وتكشف من أن أمريكا والكيان وتركيا أعدت صيغة لتسويقها بإدخال تحديثات على خطابها لنيل الشرعية الدولية.

ولا شك أن إعلان نتنياهو نواياه وإرفاقها بخرائط لشرق أوسط جديد وتزامن ما حدث في سوريا وتوظيف الكيان له، وملامح تحركاته في سوريا عبر اقتناص مزيد من الأراضي والتواصل مع قطاعات من الأكراد والدروز، يقود إلى قناعة بأن “إسرائيل” تنوي مواصلة تحركاتها باتجاه هذا المشروع الذي لايتوقف عند حدود سوريا، بل يتسع ليشمل الحلم التأريخي الصهيوني من النيل إلى الفرات، وهو مشروع صهيوني قائم وتبلورت عدة استراتيجيات له، وكان أهم خططه الإستراتيجية خطة ينون التي نشرت بمقال في فبراير 1982 في المجلة العبرية كيفونيم (الاتجاهات) بعنوان “إستراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات”، والتي كتبها عوديد ينون، المشهور كمستشار سابق لأرييل شارون، والمسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتم الاستشهاد بالخطة كمثال مبكر لوصف المشاريع السياسية في الشرق الأوسط بمنطق الانقسامات الطائفية.

وقبل الخوض في شواهد واحتمالات تكرار نفس السيناريو في دول أخرى، ينبغي إلقاء الضوء على بعض الملاحظات التي تحمل دلالات لافتة على طبيعة النظام الدولي والشرعية الانتقائية والازدواجية الفاضحة وحجم التنسيق والتواطؤ مع الكيان، وكذلك استغلال وتوظيف الكيان للأحداث بشكل سريع وخاطف، ثم الإشارة إلى علاقة خطة ينون ومخططات التقسيم بالدول الأخرى التي يمكن تكرار النموذج فيها، وذلك على النحو الآتي:

1هناك استخفاف كبير بالمجتمع الدولي والشعوب عند الاعتراف بشرعية تنظيمات مارست الإرهاب وبشخص مصنف كإرهابي دولي مثل “أبو محمد الجولاني”، وهذا الاستخفاف يجعل من هذه البساطة التي تنال بها هذه التنظيمات الشرعية الدولية والرضا الإقليمي والدولي مؤشراً مرعباً للدول والجيوش التي اطمأنت لفترة طويلة على عرشها وشرعيتها الدولية باعتبارها تكافح الإرهاب، لأنه ببساطة يمكن اعتبار هذا الإرهاب ثورة وأنها دول تقمع الثورات وتنتقل في لحظة من خانة مكافحة الإرهاب لخانة الأنظمة المارقة عن الشرعية الدولية!

2بينت الأحداث أن هناك خلايا نائمة لكثير من الفصائل والتنظيمات التي يتصور الكثيرون أنها ملفوظة شعبياً ولا تحظى ببيئة حاضنة، كما تؤثر الأزمات الاقتصادية وصعوبة معيشة المواطنين على طبيعة التفافها حول الأنظمة، مما يجعل المقاومة الشعبية لهذه التنظيمات ضعيفة وبالتالي قد تجد أنظمة مثل الأردن ومصر مخاطر كبيرة وتجد جيوشها معزولة في مواجهة هجمات من هذا النوع دون رديف شعبي، خاصة أن هناك تجارب سابقة وخلايا نائمة.

3الأطماع التركية لا تقتصر على التوغل البري في سوريا والعراق واستعادة نفوذ المجلس الملي وأمجاد الإمبراطورية العثمانية، بل تمتد جيو إستراتيجيًا لشرق المتوسط ومشروعات الغاز، وثقافياً لقيادة العالم الإسلامي عبر رعاية تنظيمات إخوانية وفصائل وحركات وأحزاب توالي تركيا، لها وجودها في الأردن ومصر ودول الخليج.

4رعاية غرف العمليات الأمريكية والصهيونية لما حدث في سوريا، وهو ما رصده السيد الخامنئي بالتعاون مع الدولة الجارة التركية، وهو ما يقود لوجود مصالح مشتركة، وهذه المصالح لا تقتصر على سوريا، لأنها تقتسم النفوذ والكعكة، وهو ما يغري الأطراف الثلاثة لتوسيع هذا التنسيق والسعي لمزيد من المكتسبات الإقليمية في لحظة تأريخية مفصلية تشكل فرصة لهذه الأطراف مع الضعف الملحوظ للنظام الرسمي العربي واستسلامه للنتائج دون تدخل فاعل في مواجهة الهجمة المزدوجة على القضية الفلسطينية وعلى منطق الدولة القومية التي قوامها المؤسسات والجيوش الوطنية.

5الاستغلال الصهيوني بمزيد من التوغل وكسب الأراضي وانتهاك الاتفاقيات الدولية، لا بد أن يشكل مؤشرَ خطرٍ من الدرجة الأولى للدول التي ركنت إلى هذه الاتفاقيات مثل الأردن ومصر، وخاصة مع التلويح المستمر بضم الضفة الغربية وتهجير سكان غزة والتموضع الدائم للجيش الصهيوني في محور نتساريم وممر فيلادلفيا والسيطرة على المعابر.

6وبالعودة إلى مخطط الشرق الأوسط الكبير وخطة ينون، نرى أن فيها تفصيلات تشير نصاً إلى دول أخرى، والخطورة هنا تتمثل في أن مقال ينون قد تم تبنيه من قبل أعضاء معهد الإستراتيجيات الصهيونية في الإدارة الأمريكية، حتى تم تناوله بشكل مفترض كوسيلة لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك تحقيق الحلم اليهودي بدولة “من جدول مصر إلى نهر الفرات”، وتشمل غالبية الشرق الأوسط، كما هو مكتوب في الكتاب المقدس العبري، حيث كانت مجلة «كيفونيم» مُكرّسة لدراسة اليهودية والصهيونية، وقد ظهرت بين عامي 1978 و 1987، ونشرها قسم الإعلام في المنظمة الصهيونية العالمية في القدس.

ربما بدأت الأنظمة تستشعر خطورة هذه التطورات بسرعة عقدها لاجتماع العقبة ولكنه اجتماع يخلو من الفاعلية بسبب عدم امتلاك أدوات ضغط فاعلة وسبب ابتعاد هذه الأنظمة وتخليها عن المقاومة وهو ما عراها أمام أميركا والصهاينة وأدخلها تحت قاعدة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، ولكن على الأنظمة أن تفطن إلى أن كلفة المقاومة رغم كل التضحيات أقل من كلفة التماهي والاستسلام، بدليل أن الحركات والقوى التي تقاوم مثل حزب الله تحافظ على الردع مع الكيان وتخرج دوماً بأقل الخسائر فيما يمس السيادة، رغم التضحيات والشهداء والخسائر المادية، وهو ما يفرض استفاقة وصياغة سياسات وإستراتيجيات جديدة للأنظمة تتسق مع هذه الهجمة التأريخية الاستعمارية الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى