اراء

غزة كسرت كبرياءكم واليمن يقود المرحلة العربية

بقلم: خالد شحام..

نبدأ من اليمن، ثم إلى معتقل غزة في خط مستقيم، ثم إلى سوريا في آخر متعرج، ثم نعود إلى حدود النار والدمار في خطٍ متقطع، لا شك أننا نفهم الآن سبب تسمية اليمن السعيد بهذا الاسم التأريخي، ويبدو أيضا أن الموروث لا يغادر وارثه مهما طال الزمان، لم يعد هنالك من شك بأن إطلالة اسم اليمن على شاشات الأخبار وتصدره العناوين أصبح مصدرا لرشفات من السعادة لكل شعوب العرب في سنوات القهر والمكابدة العربية.

كلما هبطت معنوياتنا أو تأرجحت عزيمتنا يعود اليمن ببطولته وتضحياته ليعيد ضبط موازين ومعايير كل الأمـة في الاتجاه الصحيح، لم توجد طيلة الشهور الماضية كلمة تماثل أو تعيد تذخير نفوسنا بمثل ما فعلت كلمة السيد عبد الملك الحوثي وهو يؤكد ثبات اليمن وشعبه البطل على ميثاق الكرامة مهما بلغت التضحيات ومهما اشتد العدوان الغادر، والعظمة في كتاب التاريخ تأتي من تزاوج التضحيات الكبيرة مع استمرار العطاء الذي لا ينقطع، وهذا ما يفعله اليمن وشعبه الذي يتصدر اليوم سماء الحرية في سنوات العسرة .

في نفس الوقت الذي تعمل فيه الآلة الإعلامية الأمريكية بشقيها الغربي والعربي على فتح ملفات القتل والتعذيب داخل السجون السورية وتحويلها إلى ترند الموسم لإلهاء وإشغال الوعي العربي والعالمي بما يحاك ضد سوريا والمنطقة، تستمر عمليات القتل الأمريكي داخل غزة وتستمر الاعتداءات على لبنان وخرق الاتفاق، لم يعد بمقدور أحد أن يفهم أين يمكن أن تقف حدود هذه الاعتداءات التي انفلتت من خزان الكراهية الاسرائيلية.

تستمر عمليات القتل في غـزة الى الحد الذي أصبح فيه هذا القتل، موضةَ المرحلة وشيئاً مسلما به ولم يعد يثير حتى شفقة المتفرجين أو يستفز إنسانيتهم لأن هذه المشاعر تم نقلها بشاحنات إعلامية إلى مواضع جديدة من الرواية الأمريكية -الصهيونية، تستمر عمليات القتل حتى مع وجود إدانة قانونية دولية وقرارٍ باعتقال المجرمين نتانياهو وغالانت، ويتصرف الكيان الصهيوني دون أدنى اكتراث لكل القرارات والقوانين والمطالبات الدولية والشعبية وكأنها غير موجودة، يستمر قتل الشعب الفلسطيني وتستمر مشاهد الباكين على الشهداء والجثامين المكفنة بالستائر والبطانيات وسط نفاذ الأكفان، تستمر عمليات القتل وفصول الإبادة بمسح البيوت ونسف الحياة بكل معالمها على يد أحقر عصابة عرفها العالم المعاصر والماضي، جباليا، النصيرات، خان يونس، رفح، بيت لاهيا، بيت حانون، كل اسم من هذه الأسماء الخالدة في وجدان الزمان تتحول اليوم إلى شاهدِ عيانٍ حيٍ على الوحشية الأمريكية وعلى زيف الغرب وقيمه، وسقوط كل الأنظمة العربية والعالمية وفشلنا جميعا في أن نرتقي إلى مستوى الوجودية الكافية لنفعل شيئا .

عند متابعة سلسلة العمليات والاختراقات التي حققها الكيان خلال الشهور الأخيرة لا شك أن حالة من السوداوية تصيب النفس، هنالك ضرباتٌ كبيرة نالها حلف المقاومة لا يمكن إنكارها وتُوجَت هذه الضربات بالإنجازات الصهيونية في سوريا وسط حالة من الولادة الجديدة المختلطة التي تعبرها البلاد، وكل هذا يحدث في ظل انتظار وترقب لوصول المخلص الامريكي الأكبر للحلم اليهودي، لكن السؤال الكبير الذي يدور في ذهن الجميع: هل وصلنا إلى نقطة الخسران المبين وأغلقت كل الطرق وخسرنا حزب الله وسوريا وايران وربما اليمن؟ اسمحوا لي باستعراض النقاط الآتية في محاولة الاقتراب من إجابة هذا التساؤل :ما يجب التأكد منه هو أننا أمام مخطط متكامل لا يتوقف ولا يرحم ولا يكتفي، المخطط الذي يجري في المنطقة يحمل في قسطه الأول مرحلة التأديب والتحجيم، وهي المرحلة التي نراها ونعايشها وتتضمن كسر محور المقاومة في مراكزه، يحدث ذلك في غزة ثم لبنان ثم سوريا، المرحلة الثانية هي مرحلة فرض الشروط الجيوسياسية الجديدة التي ستفضي الى الترتيب وخلق دويلات جديدة وصناعة انظمة أشـد بهدلةً من الانظمة الحالية، المرحلة الثالثة تتمثل في الوصول بكل المنطقة العربية لحالة مشابهة لما تعانيه الضفة الغربية عداً ونقداً، بمعنى ان كل ثروات العرب ستخضع للإشراف الأمريكي -الاسرائيلي، وكل نمط حياتهم سيكون وفقا للمعايير الاسرائيلية لا غير .

إن العقيدة القتالية الأمريكية والصهيونية قائمة على ثلاثة أضلاع أساسية هي: وحشية المبادئ – التضليل الإعلامي – القوة التقنية المستندة إلى الآلة، هذه التركيبة الحضارية تمثل النموذج الأضعف في سباق البقاء للحضارات والأقصر عمرا في ضمان المستقبل، يمكنها تحقيق إنجازات ولكن ليس انتصارات، لقد حقق الكيان الصهيوني، انجازات واسعة ضد ايران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية واليمنية، ولكن هذه الإنجازات لا يمكنها أن تكون انتصارات وفقا لمسطرة القياس، بعكس ضربات المقاومة التي حققت إنجازات تتمتع بكونها انتصارات مؤثرة في مستقبل الكيان وداعميه.

إن ترامب ووعوده بالتضافر مع تصريحات وأحلام قادة الكيان الصهيوني بإزالة ايران وتغيير نظام الحكم فيها وفرض الهيمنة الصهيونية المطلقة على الإقليم ليس قدرا محتوما للمنطقة، إنها أضغاث أحلام لغزاة جدد مر مثلهم الكثير على بلادنا وشعوبنا، ندرك ان المرحلة القادمة تنطوي على تداعياتٍ هائلة، لكننا نؤكد بأن ايران ليست دولة مارقة في التأريخ وليست لقمة سائغة، اليمن ليس شعبا يعيش على الحلوى الأمريكية لكي يشعر بالألم أو يطالب بالاستسلام إنه من يقود المرحلة بكل جدارة، حزب الله لم ينته ولم تطوَ صفحته من المواجهة، غزة لم ترفع الراية البيضاء وها هي عمليات الأبطال في جباليا تشرق سماء العرب كل يوم، وسترغمون على قبول اتفاقية التبادل استسلاما وخضوعا للمقاومة التي سيخلدها التأريخ، وإن غداً لناظره لقريب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى