الانتقالي والشرعية.. صراع النفوذ في جنوب اليمن

علي أحمد الديلمي..
في أعقاب التمدد المتسارع للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، برزت تحركات سعودية اماراتية مكثفة لإعادة ضبط المشهد الجنوبي، ومنع تكريس واقع سياسي وأمني جديد خارج إطار الشرعية اليمنية، هذه التحركات لا تنطلق فقط من هواجس تتعلق بوحدة اليمن أو شرعية الدولة بل من اعتبارات أمنية وإقليمية أوسع، تتصل بأمن الحدود والممرات البحرية وتوازن النفوذ في جنوب الجزيرة العربية، في ظل هشاشة الدولة اليمنية وتعقيدات الحرب الممتدة.
السعودية التي ترى في المهرة وحضرموت، عمقا استراتيجيا لأمنها القومي تتحرك بحذر لمحاصرة نفوذ الانتقالي عبر أدوات سياسية وقانونية مع تعزيز حضورها العسكري والأمني غير المباشر ومحاولة إحياء دور مؤسسات الدولة الشرعية في تلك المحافظات، في المقابل تبدو الامارات أكثر انخراطا في إدارة التوازنات الجنوبية، فهي من جهة حاضنة رئيسة للانتقالي، ومن جهة أخرى، معنية بعدم انفلات الوضع إلى صدام شامل يهدد مكاسبها ونفوذها، ما يدفعها للمناورة بين الضغط والاحتواء.
تعقيدات الوضع الحالي تكمن في أن السيطرة الميدانية للانتقالي لا تقابلها شرعية قانونية أو دستورية معترف بها دوليا وهو ما تستثمره الرياض وأبو ظبي للضغط باتجاه إعادة التموضع أو الانسحاب الجزئي عبر ربط أي مكاسب سياسية أو اقتصادية بالالتزام بالإطار الدستوري للدولة اليمنية ومؤسساتها، غير أن هذا الضغط يصطدم بواقع ضعف الشرعية نفسها وتآكل مؤسساتها وانقسامها الداخلي ما يجعل أية محاولة لفرض حلول قانونية مجردة عن القوة الفعلية أمراً بالغ الصعوبة.
إجبار الانتقالي على الانسحاب الكامل يبدو خياراً مكلفاً ومحفوفا بالمخاطر، لذلك تتجه المقاربة السعودية الاماراتية إلى مسارات أكثر براغماتية تقوم على إعادة تعريف النفوذ لا إلغائه واحتواء الانتقالي داخل صيغ سياسية انتقالية مع السعي لإعادة إنتاج شرعية معدلة تستوعب موازين القوى الجديدة، هذا المسار يتجاوز النصوص الدستورية الجامدة ويعتمد على تسويات واقعية تمنح فيها الشرعية، غطاءً قانونياً شكلياً مقابل تنازلات سيادية على الأرض.
في المحصلة، فإن التغلب على المعضلة القانونية والدستورية للدولة اليمنية، لا يتم عبر فرض الانسحاب بالقوة بل عبر إعادة بناء شرعية وطنية جامعة قادرة على تمثيل الجنوب والشمال معا وإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة بوصفها إطارا جامعا لا أداة إقصاء، ومن دون ذلك، ستظل التحركات السعودية الاماراتية مجرد إدارة مؤقتة للأزمة، تؤجل الانفجار ولا تعالج جذوره، وتبقي اليمن رهينة لتوازنات خارجية أكثر من كونه صاحب قرار سيادي مستقل.



