المنطقة على صفيح ساخن والشرارة جاهزة

بقلم: د. بسام روبين..
لم يعد الشرق الأوسط بحاجة إلى محللين لكي يدرك بأن شيئا كبيرا يطبخ في الغرف المغلقة، فالحشود العسكرية تتزايد، وعمليات الإستهداف المتبادل تتسارع، والرسائل النارية بين اللاعبين الإقليميين والدوليين أصبحت أكثر حدة وجرأة. والمنطقة اليوم تعيش فوق صفيح ساخن، وأي خطأ صغير قد يشعل حربا لا يريدها أحد، لكن الجميع يستعد لها ولكن بصمت.
وما نراه الآن ليس مجرد توترات عابرة، بل مقدمات لحريق كبير، وقد تكون الشرارة في غزة أو جنوب لبنان أو البحر الأحمر، لكن أصداءها ستصل إلى كل العواصم من طهران إلى تل أبيب مرورا ببعض العواصم العربية، والسيناريوهات المطروحة ليست ترفا سياسيا، بل حقيقة تفرضها لغة القوة التي تحكم المنطقة منذ أن غابت الدبلوماسية وتراجع صوت العقل.
وهنالك عدد من السيناريوهات أولها هو إنفجار محدود في الجبهات التقليدية، وإشتباكات محسوبة لا تتجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها، لكن التجارب تعلمنا أن التصعيد المحدود قد ينقلب إلى إنفجار كامل بمجرد دخول لاعب جديد أو حسابات ميدانية خاطئة.
وهذا السيناريو الأقل خطورة سيخلف نزوحا، وإنهيارا في البنى التحتية، وإرتفاعا جنونيا في أسعار الطاقة، وإضطرابا في الممرات البحرية الحيوية ، والسؤال هو هل المنطقة قادرة أصلا على تحمل هزة جديدة؟
أما السيناريو الثاني فهو تمدد الصراع عبر الوكلاء في ساحات لبنان والعراق واليمن، وهذا السيناريو أخطر مما يتصوره البعض، فإستهداف خطوط التجارة في البحر الأحمر، وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية، ورفع تكلفة الشحن والتأمين، كلها عوامل كفيلة بإدخال إقتصادات المنطقة في غرفة الإنعاش، والأردن تحديدا قد يتأثر بشدة عبر تراجع السياحة والتجارة، وزيادة الضغوط الإجتماعية، وإرتفاع فاتورة الأمن، وهو أمر يتطلب إستعدادا مبكرا وليس إنتظارا للصدمة القادمة.
لكن السيناريو الذي ترتجف منه الدبلوماسية الدولية هو إندلاع مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، وهنا نكون أمام زلزال إستراتيجي، لا أمام حرب تقليدية. فإستهداف المنشآت النووية أو العسكرية سيعني شل تدفق الطاقة عالميا، وإغلاق ممرات بحرية، وإشتباكات قد تمتد إلى الخليج وسوريا ولبنان والعراق، وفي هذه الحالة لن يكون هناك طرف منتصر، بل أطراف منهكة وشعوب تدفع الثمن، وربما تدخل دول كبرى على الخط، ما يجعل المنطقة مسرحا لحرب تتجاوز قدرات الجميع.
وهناك سيناريو رابع صامت لكنه خطير، وهو الإستمرار في حالة التوتر الدائم دون حرب مباشرة وضربات نوعية، إغتيالات، هجمات سيبرانية، وإشتباكات محسوبة، وهذا السيناريو يبدو أقل دموية، لكنه الأكثر كلفة على المدى الطويل، فهو يمنع تعافي الإقتصاد، ويعطل الإستثمار، ويعمق الفقر، ويخلق مجتمعات مرهقة نفسيا وإقتصاديا، وكأن المنطقة تعيش حربا باردة لا تنتهي.
والخلاصة وبأعلى درجات الوضوح تتوقع بأن الشرق الأوسط على بعد خطوة واحدة من إشتعال قد يمتد لسنوات، والواجب اليوم على الحكومات أن تتحرك لتحصين الحدود، وتجهيز غرف الطوارئ، وتأمين مصادر الطاقة والغذاء لفترات طويله، وتفعيل الدبلوماسية قبل أن يفوت الأوان، فالإنتظار ليس إستراتيجية، والصمت أمام قرع طبول الحرب ليس خيارا.
والمنطقة لا تحتاج إلى مزيد من المغامرات ولا إلى رهانات خاطئة، وإذا لم ينكسر هذا التصعيد عبر مبادرة إقليمية شجاعة، فقد نصحو على حرب تعيد رسم خرائط وتسقط أنظمة وتربك إقتصادات لعقد كامل، وما زالت اللحظة الحرجة أمامنا لكن لا أحد يعرف كم ستبقى قبل أن تتحول الشرارة إلى نار تأكل الأخضر واليابس .



