مهن قديمة تتلاشى أمام طوفان التكنولوجيا الرخيصة

في أحد أزقة بغداد القديمة، يجلس خالد وليد، الستيني الذي أمضى عمره خلف طاولة تصليح الأجهزة الكهربائية، ثلاثة أيام متتالية دون أن يدخل عليه زبون واحد، في مشهد يلخص حال “مهنة تحتضر” لم تعد قادرة على مجاراة ما أحدثته سوق الأجهزة الحديثة من تغييرات جذرية.
ويقول خالد ، إن “العمل في مهنته لم يعد مجدياً كما كان، فالأجهزة الكهربائية القديمة كانت تعتمد على صناعات رصينة وبمناشئ أصلية، ما جعل إصلاحها سهلاً ومتوفراً من خلال قطع الغيار. أما اليوم، فإن غالبية الأجهزة المستوردة تُصنف كسلع استهلاكية بلا أدوات احتياطية، ومعظمها من مناشئ متدنية الجودة، ما يجعل إصلاحها شبه مستحيل”.
ويشير إلى أن أحد أبرز المعوقات هو انعدام توفر قطع الغيار، ما يضطره إلى ما يسميه “التفصيخ”، أي شراء جهاز عاطل وتفكيكه لاستخراج قطعة يحتاجها، إلا أن هذا الأسلوب يرفع كلفة التصليح إلى درجة قد تصل أحياناً لسعر جهاز جديد، وهو ما يدفع الناس لتفضيل الاستبدال على الإصلاح.
أصحاب هذه المهنة يعانون منذ سنوات من ركود حاد، فمعظم الأجهزة المكدسة في محالهم قديمة، بينما الأجهزة الحديثة تحتاج إلى تقنيات دقيقة وإمكانيات غير متوفرة لديهم، ما يجعل إصلاحها أمراً بالغ الصعوبة.
من جانبه، يشرح عبد الحسين عواد، البالغ 59 عاماً وصاحب ورشة في البياع، أن الأجهزة الحديثة تعتمد على دوائر إلكترونية شديدة الصغر، تتطلب أدوات متقدمة وعدسات مكبرة لصيانتها، على العكس من الأجهزة القديمة ذات الأعطال الواضحة والبُنى المتينة، مؤكداً أن ما يجنيه من عمله اليوم لا يكفي لسد نفقاته، حتى أنه يلجأ أحياناً إلى راتب الرعاية الاجتماعية لتسديد إيجار محله.
ويرى عواد أن العمر الافتراضي للأجهزة المستوردة حديثاً لا يتجاوز عامين، بينما كانت الأجهزة القديمة تعيش لأكثر من 15 عاماً دون أعطال تُذكر، مضيفاً أن انعدام قطع الغيار وارتفاع وتيرة الاستيراد جعلا هذه المهنة تتراجع بعد أن كانت تدرّ أرباحاً جيدة لمن يتقنها.
وبين أزمة قطع الغيار، وسوق تغرق بالبضائع الرخيصة، وتقنيات لا ترحم خبرات الأمس، تقف مهنة تصليح الأجهزة الكهربائية في بغداد على حافة الزوال، وسط مخاوف من اندثار حرفة كانت يوماً جزءاً من هوية السوق البغدادية.



