الاشتباكات في بيت جن… هل تضع حداً للعبث الإسرائيلي بالجغرافيا السورية؟

بقلم: شاهر الشاهر..
رسائل سياسية أرادت “إسرائيل” إيصالها عبر عمليتها العسكرية التي نفذتها في بلدة بيت جن السورية، أهم هذه الرسائل هو أن “إسرائيل” تعاني تهديداً أمنياً حقيقياً يتمثل بوجود تنظيمات جهادية تنشط في الداخل السوري وعلى مقربة من الحدود الإسرائيلية، ومحاولة اتهام الحكومة السورية بدعمها، وهو ما يعني أن “إسرائيل” غير ملتزمة بالذهاب إلى توقيع اتفاق للسلام مع سوريا.
أرادت “إسرائيل” أيضاً لفت نظر العالم إلى هذا التهديد المزعوم، وبالتالي شرعنة ما يمكن أن تقدم عليه في المقبل من الأيام، في مسعى منها لتكريس فكرة أنها قادرة على استباحة سيادة أية دولة، تحت ذريعة “حماية الأمن القومي الإسرائيلي”.
الحكومة السورية من جهتها سعت لاستثمار هذا الحدث وتوظيفه سياسياً، لإظهار “إسرائيل” على حقيقتها وأنها من يعرقل التوصل إلى اتفاق للسلام بين البلدين.
كانت الحكومة السورية قد أعلنت منذ وصولها إلى السلطة عن رغبتها بـ “تصفير المشاكل” مع دول الجوار، والتفرغ لمعركة إعادة الاعمار وتحسين الواقع المعيشي للسوريين، باعتباره الأولوية لشعب أنهكته الحرب وبات أكثر من 90% منه يعيش تحت خط الفقر.
هذه الرغبة قابلتها “إسرائيل” بعدوان مباشر على سوريا هدف إلى تدمير كامل أسلحة الجيش السوري، مستغلة فراغ السلطة وانشغال الحكومة الجديدة بفرض الأمن ومنع الفوضى.
لم يصدر أي بيان إدانة من الحكومة السورية آنذاك، وترافق ذلك مع صمت عربي أعطى انطباعاً لـ”إسرائيل” بأنها قادرة على فعل ما تريد من دون الاكتراث بأحد.
“إسرائيل” لم تعد تخشى الأنظمة العربية، لكنها مجبرة على أن تحسب حساباً للشعوب التي إذا ما استفاقت فإنها قادرة على تغيير توازنات القوة بكل تأكيد.
لم تستطع “إسرائيل” مقاومة رغبتها بالتوسع في الداخل السوري والسعي لفرض واقع جديد تستطيع من خلاله إجبار الحكومة السورية على الدخول معها في سلام هو أقرب إلى الاستسلام، تستطيع من خلاله انتزاع اعتراف رسمي سوري بسيادتها على الجولان وهو ما ترفضه الحكومة السورية حتى الآن.
لم يعد من الممكن لـ”إسرائيل” القول، إن هناك عناصر من حزب الله في الداخل السوري، لذا فقد لجأت إلى توجيه الاتهام إلى تنظيم سني جهادي تأسس في بيروت عام 1964 كفرع لبناني لجماعة الإخوان المسلمين التي أدرجها ترامب مؤخراً في لائحة الإرهاب.
هذا التوجه الإسرائيلي الجديد لن يحظى بقبول أو دعم عربي وتركي على غرار ما كان يجري في الماضي، فهذه التنظيمات ليست شيعية، كما أن الكثير منها يحظى بدعم ومباركة من هذه الأطراف.
بيت جن وفصل جديد من المقاومة
وضع أبناء هذه البلدة الصغيرة نهاية لحالة الاسترخاء التي رافقت التوغلات الإسرائيلية السابقة، وهو ما أجبر قيادة جيش الاحتلال على وضع استراتيجية جديدة تعتمد على تنفيذ الاغتيالات من الجو بدلاً من التوغلات.
أثبتت هذه العملية ضعف القوات الإسرائيلية وعدم دقة المعلومات الاستخبارية لديها، إلى درجة المطالبة بفتح تحقيق في “إسرائيل” حول إمكانية تسرب معلومات عن هذه العملية قبل تنفيذها، حيث اعتبرت بمنزلة “الفخ” الذي استُدرجت إليه تلك القوات.
المقاومة الشعبية هي الخيار الوحيد في حال عجز الحكومات عن الدفاع عن شعبها، وهي المعادلة التي قد تعيد سوريا إلى محور المقاومة الذي سعت للابتعاد عنه.
صمت الولايات المتحدة يؤكد عدم قدرتها على انتقاد “إسرائيل”، والتزامها المطلق الدفاع عنها، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها كوسيط نزيه لرعاية المفاوضات بين سوريا و”إسرائيل”، وخاصة أن ترامب هو من اعترف بالجولان كأراضٍ إسرائيلية.
العام المقبل سيكون عاماً انتخابياً في “إسرائيل”، كما سيشهد الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي. وهو ما ينذر بتضارب المصالح بين نتنياهو وترامب. فترامب يسعى لتحقيق إنجاز سياسي قبل الانتخابات يتمثل في تحقيق السلام بين سوريا و”إسرائيل”، في حين يبدو نتنياهو مهتماً بالاستثمار في الفوضى والمزيد من التصعيد.
تخشى “إسرائيل” تراجع الدعم الأمريكي لها، وخاصة أن المصالح الأمريكية في المنطقة لم تعد تتطابق مع مصلحة “إسرائيل”، وشعار “أمريكا أولاً” بات هو البوصلة لعمل الإدارة الأمريكية الحالية.
من هذه الزاوية تسعى “إسرائيل” لتكريس قيادتها للشرق الأوسط قبل تخلّي الولايات المتحدة الأمريكية عنها، وهو ما يتطلب منها وضع نهاية سريعة لملفات حزب الله وإيران والفصائل العراقية.
العدوان على بيت جن كان من أحد أهدافه تجهيز مسرح العمليات لتكون الأراضي السورية مجالاً يمكن استخدامه لمواجهة أعداء “إسرائيل” في المنطقة.
من الواضح، أن الحكومة السورية عملت على احتواء الحدث لا مواجهته، لكن إلى أي مدى ستبقى قادرة على ضبط الأمور ومنع تدهورها، خاصة إذا ما كررت “إسرائيل” ارتكاب مثل هذه الحماقات.
قضية المياه
قضية المياه من القضايا المهمة بين الجانبين وهي العنوان للحروب المقبلة، وخاصة أن سوريا تعاني شحاً في المياه لم تتعرض له منذ عقود.
هذه القضية تشكل قاسماً مشتركاً بين “إسرائيل” وتركيا اللتين تسعيان لاستخدام “حرب المياه” ضد العرب، تنفيذاً لرؤية شيمون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، الذي رأى فيه أن من حق “إسرائيل” وتركيا التحكم في ثرواتهما من المياه الجوفية كما تتحكم الدول العربية في ثرواتها النفطية، مطالباً باستبدال كل برميل مياه ببرميل من النفط.
يبدو أن الحديث عن السلام بين سوريا و”إسرائيل” أمر مستبعد، وخاصة أن هذا السلام لا يقدم أية منفعة لـ”إسرائيل”، التي ترى أنها غير مضطرة للانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد 8 كانون الاول 2024، وخاصة قمة جبل الشيخ ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لها.



