أهكذا يكتب التاريخ من يلفق هذه القصص في واتساب؟!

بقلم/ د.رعدهادي جبارة..
قرأت مؤخرا قصة ملفقة وحكاية تثير الاستغراب، حول سعي التونسيين لبناء مرقد للسيد فاطمة الزهراء “ع” في البقيع بموافقة السعوديين،لكن مساعيهم وجهت برفض من المرجع الفقيد السيد الكلبايكاني!!والقصة بلا شك ساذجة ومكذوبة و مصممة لتضليل البسطاء وإثارة الانقسام.ويتناقلها مئات الأشخاص في مئات المنتديات في واتساب وفيسبوك وينسبونها زورا لنجل المرجع الراحل،دون تدبر وتأمل!!.
نبيّن هنا مواضع الخلل في هذه الحكاية المفبركة، فهي قصة مصنوعة بوضوح، وأقرب إلى خطاب تعبوي طائفي من كونها رواية تاريخية، ويمكن بيان ذلك بدقّة ، لأن الرواية تنهار من جهات عدّة: تاريخيًا، سياسيًا، ودينيًا ومنطقيًا:
أولًا: الخلفية التاريخية والسياسية تجعل القصة مستحيلة وملفقة عام 1983م:كانت العلاقة بين إيران والسعودية في أسوأ مراحلها تقريبًا بعد الثورة الإسلامية 1979 وما تلاها من توتر مذهبي وسياسي عنيف.
كانت الحرب العراقية–الإيرانية في أوجها.
كانت السعودية تدعم صدّاما ،سياسيًا وماليًا.
في مثل هذا المناخ: هل يُعقل أن تسمح السعودية لوفد شيعي ببناء قبة أو مرقد على قبر الزهراء (س) في البقيع؟
مستحيل تمامًا.
بل إن السعودية منذ 1925 منعت بشكل قاطع أي بناء أو إعادة إعمار للأضرحة في البقيع، وأصدرت فتاوى وهابية صريحة بتحريم ذلك. وما زال هذا المنع سارياً ثابتًا إلى اليوم.
إذن: موافقة السعودية المزعومة تكذّب القصة من أصلها.
ثانيًا: “مجموعة من التونسيين”؟! تونس بلد ذو غالبية سنية مالكية، ومجتمعها – تاريخيًا – غير مرتبط بمشروع سياسي شيعي، لا في 1983 ولا قبلها ولا بعدها.
ماذا يعني أن يأتي <التونسيون!> لبناء مرقد الزهراء س بينما:
إيران الشيعية نفسها لم تقدّم مشروعًا كهذا.
العراق (النجف وكربلاء) لم يقوموا به.
شيعة السعودية أنفسهم محرومون من أي نشاط ديني في البقيع.
هذا غير منطقي، ويوحي أن الرواية مختلقة بلا معرفة بالواقع الشيعي ولا الجغرافي ولا السياسي.
ثالثًا: الخلل العقائدي والفقهي في الرواية
الحكاية تزعم أن المرجعية منعت “بناء قبر الزهراءس” لأسباب عقائدية.
لكن الحقيقة:
1.لا أحد يعلم موقع قبر الزهراء على وجه اليقين؛ كل الروايات مختلفة:
عند الروضة
في بيتها
في البقيع
بين المنبر والبيت
إذن كيف وافقت “السعودية” على بناء مرقد على قبر غير معروف أصلًا؟
2.تصوير المرجعية بأنها ترفض بناء قبر الزهراء س لأنه “ينفي المظلومية” طرح لا ينسجم مع مقاربة العلماء للتاريخ وتأييدهم ودعمهم المطلق لمراقدآل البيت ع.
3.الرواية تتحدث كأن موضع القبر معروف قطعًا لكن مخفي عمدًا؛ بينما الحقيقة أن الخفاء ناتج من اختلاف الروايات التاريخية نفسها، لا من “وصية لإخفائه” بمعنى الموقع الدقيق.
كل هذا يدل على أن كاتب القصة الملفقة ليس مطّلعًا على الفقه الشيعي ولا الروايات العلمية حول قبر الزهراء س.
رابعًا: الطعن غير المباشر في ولاية الفقيه والمرجعية
الحكاية تُشيع أربعة أمور خطيرة:
1) أن الإمام الخميني ليس مرجعًا بل صغيرًا أمام الكلبايكاني،وهذا خطأ، تاريخيًا:
فالامام الخميني كان مرجع تقليد معترفًا به منذ الستينيات.
العديد من المراجع كانوا متساوين في تلك الفترة (الخميني، الكلبايكاني، المرعشي النجفي…).
2) إن الإمام الخميني يعترف -في القصة المزعومة- بأن المرجعية ليست بيده وهو يناقض:
مبدأ ولاية الفقيه كما قدمه في الحكومة الإسلامية.
الواقع السياسي الذي حكم به 10 سنوات.
3) أن السيد الخامنئي ليس أهلًا للقيادة لأن الكلبايكاني كان أعلم منه وأجدر بقيادةالدولة.
هذه من النقاط التي يكررها الخصوم السياسيون لمبدأ ولاية الفقيه، لكنها لا علاقة لها بقصة حقيقية.
4) تصوير المرجعية الشيعية وكأنها تمنع شيئًا فيه إحياء لمظلومية الزهراء وهذا غير منطقي تاريخيًا أو فقهيًا.
هذه الرواية ليست بريئة؛
بل تشبه نصوص الحرب الإعلامية التي تستهدف:
تحقير فكرة ولاية الفقيه.
ضرب ثقة الشيعة بمرجعياتهم.
اتهامهم بخيانة مظلومية الزهراء.
خامسًا: الأسلوب الأدبي نفسه يدل على أنها قصة مُختلقة
اللغة خطابية ومشحونة بالعاطفة ومكتوبة بنَفَس تبشيري.
الشخصيات تتكلم بطريقة مسرحية.
تفاصيل غير قابلة للتحقق.
لا توجد مصادر تاريخية تذكر ولو إشارة لهذا الحدث.
هذه سمات واضحة لـ “قصص الواتساب” التي تُصنع للتعبئة الطائفية.
الخلاصة
يمكن تلخيص الموقف تجاه هذه الحكايةفي نقاط:
الرواية من الناحية التاريخية: مستحيلة
ومن الناحية السياسية: غير منطقية
ومن الناحية الفقهية: مضطربة
ومن ناحية المرجعية: مصنطعة لأهداف سياسية
ومن ناحية عقلية السرد: قصة واتساب لا أساس لها ومرفوضة يجب عدم ترويجها .
إذن نحن أمام مجموعة حقائق و تساؤلات:
- قصة ملفّقة تكشف بيئة التضليل الطائفي
- حكاية بناء قبر الزهراء في البقيع: أسطورةبعيدة الواقع
- تفكيك رواية مزيفة: وهمٌ يُباع في الواتساب
- أسطورة التونسيين و البقيع: قراءة في تزوير الوعي
- الرواية المختلقة؛ حين تتحول الخرافة إلى أداة سياسية
- بناءالقبر،حكاية مزعومة… وخرافة لا تصمد أمام العقل
- منصات التواصل تصنع الأكاذيب: قصة لا أساس لها
- حين تتكلّم الأساطير بلسان المرجعية
- وهمٌ يُرادُ له أن يصبح تاريخًا
- قصة مفبركة تهدم نفسها بنفسها
- بين الرواية و التاريخ: تفنيد قصة لا وجود لها
- قراءة نقدية في حكاية بلا جذور
- قصة مزعومة على محكّ العقل و التاريخ
- البحث عن الحقيقة خلف رواية مصنوعة
- كيف تُفبرك الحكايات؟ نموذج من السرد الطائفي
- الأكاذيب كسلاح: تحليل لرواية وُلدت من الصراع السياسي
- التضليل الطائفي: صناعة رواية قبر الزهراء نموذجًا
- الرواية المزورة بين أهدافها وخطابها
- عندما يُحرّف التاريخ لخدمة الدعاية
- من يكتب هذه القصص… ولماذا؟



