“دم نازح في الممر” وثيقة إنسانية حية عن الوجع الفلسطيني

في كتابها الجديد “دم نازح في الممر” (منشورات المتوسط، 2025) تقدم الشاعرة الفلسطينية فاتنة الغرة شهادة مباشرة عن غزة، حيث تتقاطع الحرب مع تفاصيل الحياة اليومية، وتصبح كل لحظة، مهما كانت صغيرة، دليلاً على الصمود والمقاومة.
الكتاب مبني على ثلاث وعشرين رسالة تحمل كل رسالة مشهداً، يضم بداخله سلسلة مشاهد من الحياة في المستشفى، من أصغر التفاصيل اليومية إلى أقسى لحظات القصف، بعناوين محددة، مثل: “كوب من الماء المفلتر البارد”، “في الحرب يلعب الأطفال الغُمّيضة”، “رائحة خبز طازج فصيلة دم O+”، “حينما تسلَّل خيط الريق من طرف فمي”، “الفردوس ليس على الناصية الأخرى”، و”حينما تُسقِط الأصوات العصافير من السماء بطلقة”.
كل رسالة تشكّل لوحةً دقيقةً، تجمع بين التوثيق الصحافي والرؤية الأدبية، لتصنع وثيقة إنسانية حية عن الوجع الفلسطيني، عن الحياة تحت القصف، بصوت نسائي أدبي دقيق وشجاع.
تبدأ الغرة سرد تجربتها بعد عودتها إلى غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لتجد نفسها في قلب طوفان الأقصى، وسط آلاف النازحين في المستشفى، حيث تندمج الأصوات والوجوه والروائح في لوحة واحدة، تلتقط فيها تفاصيل الحياة اليومية كلها. رائحة الخبز الطازج والفلفل الأحمر المطحون تتسلل إلى الممرات، مختلطةً برائحة الدم والعرق، بينما تتوزّع الضحكات بين القلق والخوف. الأطفال يتلقّون الحلوى كجائزة على الطاعة، لكنهم يضحكون ويمرحون رغم هول الحرب، والأمهات يعتنين بالرضع المصابين، والشباب يعيدون إحياء أدوار العائلة في طوابق المستشفى، كأنهم يزرعون الحياة على أطراف الموت.
الكتاب يصف الوجوه بعناية، من الأطفال إلى الشيوخ، في مشهد إنساني دقيق، حيث تتشابه الملامح تحت وقع القصف، وتروي العيون قصصاً لا تحتاج إلى الكلام.



