ما الأهداف الدينية والاجتماعية للجهاد؟

إنّ أهداف الجهاد لا تقف عند الأفراد أو عند أعتاب الحالة الفردية، بل للجهاد دوره الاجتماعيّ وآثاره العامة التي تطال المجتمع والبيئة العامّة. ويمكن اختصار مصالح المجتمع ضمن الأهداف التالية:
إحقاق الحقّ:من الأهداف المهمّة والأساسية لتشريع الجهاد كونه الوسيلة الأنجع لذلك، إحقاق الحقّ وجعل كلمة الله تعالى هي العليا، وإبطال الباطل وجعل كلمته هي السفلى بعد اليأس من الوسائل السلميّة الأخرى، حيث يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾.
يبيّن الله تعالى في هذه الآية نعمه ومننه على عباده، فهو وعد المسلمين بإحدى الطائفتين إمّا “العِير” والسيطرة على القافلة التجارية لقريش، أو “النفير” ومواجهة جيش قريش، والأولى كان يتمنّاها المسلمون وقد اختار لهم الله سبحانه المواجهة العسكرية مع قريش وهي “الشوكة” والتي هي تعبير يرمز إلى الحدّة والشدّة، وأصلها مأخوذ من الشوك، واستعملت هذه الكلمة أيضاً في نصول الرماح، ثمّ استعملت توسّعاً في كلّ نوع من الأسلحة، لما تمثّله هذه الأسلحة من القوّة والقدرة والشدّة.
القضاء على الشرك: من أهداف تشريع الحقّ تعالى للجهاد أيضاً، أنّه يريد أن يكون المعبود الأوحد في كلّ أرجاء الأرض، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
إنّ المراد بالفتنة هنا الشرك بالله. وكفّار قريش كانوا يقبضون على المؤمنين بالنبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبرسالته ويعذّبونهم ويجبرونهم على ترك الإسلام والرجوع إلى الكفر، فعُرف عملهم هذا بالفتنة. وعندها أُمر المسلمون بقتالهم حتّى يطهّروا الأرض من عبادة غير الحق، ويكون الإيمان بالله الواحد الأحد هو الحاكم دون غيره.
إزالة الظلم والعدوان:
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾.
إنَّ المؤمن المجاهد أبعد ما يكون عن الأنانية والعيش ضمن دائرة الهموم الشخصيّة الخاصّة الضيّقة بل إنَّه إنسان رساليّ يحمل همّ الإنسانية كلّها، ويستشعر أكثر من غيره معاني ومفردات الظلم وتأثيره الهدّام على الفرد والمجتمع، ولذا تراه يبادر ومن دون أدنى خوفٍ أو وجلٍ أو تردّدٍ إلى قلع جذور الفساد والظلم. وأمّا جهاده فإنَّه لا يعرف الحدود الجغرافية ولا القوميّات ولا التكتّلات العرقية، بل هو يحمل همَّ نصرة المظلوم وتحقيق العدل، وكما ترى فإنّ الآية المباركة تحثّ المؤمنين على نصرة المستضعفين ومواجهة الظلم والعدوان كجزءٍ من مفهوم الحركة الاجتماعية الناهضة.
إعلاء ذكر الله:من الأهداف الأساسيّة لتشريع القتال في سبيل الله، إعلاء ذكر الحقّ كما يقول عزّ اسمه في كتابه المجيد: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
تشريع القتال إنّما هو لحفظ المجتمع من شرّ أعداء الدين الذين يسعون إلى إطفاء نور الله وذكره. ولولا ذلك لهُدّمت المعابد الدينية والمشاعر الإلهية ونُسخت العبادات والمناسك، لأن اللّه تعالى لو لم يدفع بعض الناس بعضهم ببعض عن طريق الإذن بالجهاد، لهدّمت أماكن العبادة والمساجد التي يذكر فيها اسم اللّه. ولو تكاسل المؤمنون وغضّوا الطرف عن فساد الطواغيت والمستكبرين ومنحوهم الطاعة، لما أبقى هؤلاء أثراً لمراكز عبادة اللّه. إذ إنّهم سيجدون الساحة خالية من العوائق فيعملون على تخريب المعابد، لأنّها تبثّ الوعي في الناس، وتعبّئهم في مجابهة الظلم والكفر والانحراف. وإنّ كلّ دعوةٍ لعبادة اللّه وتوحيده تعارضها دعوة المتجبّرين الذين يريدون أن يعبدهم الناس من دون الله تعالى تشبُّهاً منهم بالحقّ تعالى، والذين يعملون على هدم أماكن توحيد اللّه وعبادته.
كفّ بأس الكفّار:
من أهداف الجهاد في سبيل الله أيضاً ردّ كيد الكفّار إلى نحورهم وكفّ بأسهم، حيث يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾.
بعد أن أمر الله تعالى نبيّه محمداً ؟(صلى الله عليه وآله وسلم) بمواجهة أعدائه وجهادهم، رغم قلّة الناصر، بيّن له أحد الأهداف الأساسية لهذا التكليف المقدّس، ألا وهو الجهاد في سبيل الله والذي هو الطريق لكسر شوكة الظالمين وقوّتهم، وكفّ أذاهم وشدّتهم وبأسهم عن المؤمنين الموحّدين. كما أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالالتزام بهذا التكليف ولو كان وحيداً فريداً، معتمداً على الله تعالى مصدر كلّ قدرة وقوّة في هذا العالم، إذ هو عزَّ اسمه أقوى من كلِّ ما يدبِّرُهُ الأعداء من مكائد ودسائس بوجه دعوة الحقّ.
7- الاستقلال والحرية:
الاستقلال والحرية لهما الأهمية الكبرى في الحياة الاجتماعية الناجحة، بل يشكّلان الدافع نحو الإبداع والتطوّر في كلّ الميادين، ولذلك عملت القوى المستعمرة على حرمان الشعوب منها كي يسهل لها السيطرة والتسلّط على البلاد والعباد. إنّ كلّ حضارة وكل مجتمع يحتاج إلى عناصر القوة كي تبقى لديه حالة الاستقلال والحرية، وأهمّ عناصر القوّة هي القوات المسلّحة المقتدرة، التي تمنع طمع الطامعين وتضمن عدم تقدّمهم وتجاوزهم.
ومع غياب مثل هذه القوّة سيكون من غير الممكن المحافظة على الاستقلال والحرية. ومجرّد وجود طاقات علمية واقتصادية عالية لا يُعتبر لوحده ضماناً لاستقلال الدول والشعوب، بل القوات المسلحة وحضورها الدائم وقيامها بواجباتها في الميادين اللازمة هي التي تضمن الاستقلال والحرية وتضمن بقاء وتفعيل الطاقات العلمية والاقتصادية. وعليه، فالحركة الجهادية من جملة أهدافها تحقيق وحماية الاستقلال والحرية.



