اخر الأخبارالنسخة الرقميةتقارير خاصةسلايدر

ثروات تُسلَب وأجساد تُتعب والمحافظات المنتجة للنفط تدفع ثمن الذهب الاسود

اموال تغذي خزائن الغرب


المراقب العراقي / أحمد سعدون..
في الوقت الذي تتباهى فيه الحكومات المتعاقبة بعقودها النفطية ومشاريع الطاقة الكبرى التي توصف بأنها ركيزة للاقتصاد الوطني يواجه سكان المناطق التي تحتضن هذه الحقول واقعاً مغايراً تماماً عن الصورة المرسومة في البيانات الرسمية، فهؤلاء الأهالي الذين يعيشون على مقربة من أكبر الحقول النفطية في الجنوب والوسط لم يجنوا من ثرواتهم الهائلة سوى مزيد من التلوث والأمراض حتى باتت أراضيهم الزراعية رماداً والهواء الذي يتنفسونه مشبعاً بالدخان والغازات السامة.
فمنذ عقود وهذه المناطق الغنية بالنفط لا تزال تعاني التهميش وغياب الخدمات الأساسية رغم أنها تغذي موازنة البلاد بمليارات الدولارات سنوياً ، الأهالي هناك يشاهدون آليات الحفر تلتهم أراضيهم الزراعية يوما بعد آخر دون أن تلتفت الشركات العاملة إلى معاناتهم أو تسهم بإصلاح الضرر الذي لحق ببيئتهم،إذ لا فرص عمل حقيقية للأهالي سوى عدد محدود من الوظائف الهامشية التي لا تتناسب مع حجم النشاط النفطي الكبير ولا مع الوعود الحكومية المتكررة بتحسين أوضاعهم المعيشية.
مختصون في الشأن البيئي أكدوا أن” نسب التلوث في المناطق النفطية وصلت إلى مستويات خطيرة خصوصاً في المحافظات الجنوبية التي تحولت أراضيها إلى بؤر للغازات المحترقة ومخلفات عمليات الاستخراج التي تلوث المياه والتربة في آن واحد ، ومع هذا التلوث تصاعدت أعداد الإصابات بالأمراض السرطانية وأمراض الجهاز التنفسي بشكل ملحوظ بينما تتجاهل الجهات المعنية كل التحذيرات والدراسات التي تشير إلى علاقة مباشرة بين الانبعاثات النفطية وانتشار هذه الأمراض”.
ويشير المختصون إلى أن” الشركات الأجنبية المتعاقدة مع الحكومة العراقية لم تقدم أية مبادرات جادة لمعالجة آثار التلوث أو دعم مشاريع بيئية تعيد بعض التوازن إلى المناطق المنتجة فبينما تمتلك هذه الشركات آليات وتقنيات متطورة كان يمكن استغلالها في حفر الآبار الزراعية أو استصلاح الأراضي المتضررة أو حتى إنشاء محطات لمعالجة المياه فإنها تكتفي بالتركيز على الجانب الربحي دون أن تقدم أي التزام إنساني أو اجتماعي تجاه السكان” .
المزارعون هناك يروون قصصاً مؤلمة عن أراضٍ كانت خضراء قبل دخول الشركات النفطية ثم تحولت إلى قاحلة لا تنبت شيئاً بسبب الزيوت ومياه الحفر التي تتسرب إلى باطن الأرض وتجعلها غير صالحة للزراعة .
ومع تفاقم الجفاف الذي يضرب العراق منذ سنوات لم تقدم هذه الشركات أي دعم في مجال إدارة المياه أو حفر الآبار رغم قدرتها التقنية العالية التي من الممكن أن تخفف كثيراً من آثار الجفاف .
ومن جانب آخر يرى المهتم بالشأن البيئي والاقتصادي أحمد الوائلي في حديث لـ”المراقب العراقي ” ، أن” المشكلة لا تكمن فقط في سوء الإدارة الحكومية بل في غياب الرؤية التنموية المتكاملة التي توازن بين استثمار الثروة النفطية وحماية المجتمعات المحلية ، مضيفاً أن الموازنات الضخمة التي تُخصص للمشاريع النفطية لا تنعكس على تحسين البنى التحتية للمدن والقرى المجاورة لتلك الحقول ولا على خلق فرص اقتصادية بديلة للأهالي الذين باتوا يعتمدون على العمل المؤقت أو يهاجرون بحثا عن بيئة أكثر أمناً,.
ولفت الى أن” هذه المناطق الغنية بالنفط تعيش مفارقة مؤلمة فهي مصدر الثروة الوطنية لكنها في الواقع من أكثر مناطق البلاد فقراً وحرماناً، وسكانها يواجهون أزمات صحية وبيئية متراكمة دون تعويضات أو برامج إنقاذ جادة”.
ويُجمِع المختصون على أن الحل يبدأ بإلزام الشركات النفطية بالمشاركة الفعلية في خطط التنمية المحلية وإدخال معايير بيئية صارمة في جميع مراحل العمل إلى جانب تخصيص جزء من العوائد النفطية لتحسين الخدمات في المناطق المنتجة وتطوير البنية التحتية فيها لأن استمرار هذا الوضع القائم سيجعل من الثروة النفطية لعنة على أهلها بدلاً من أن تكون نعمة تُنعش اقتصادهم وتعيد الحياة إلى أراضيهم التي أرهقها الجفاف والتلوث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى