إيران والكيان الإسرائيلي.. المواجهة في كل الجبهات

بقلم: حسني محلي..
في كل الحروب العربية بل حتى الإيرانية مع الكيان الصهيوني، كانت “تل أبيب” تسوّق لفكرة، “أن أجهزتها الاستخبارية هي الأقوى في العالم، كما أن جيشها لا يقهر بأي شكل كان”.
وحتى إن تجاهلنا الدعم المطلق والشامل من عواصم وقوى ومؤسسات وأجهزة إمبريالية واستعمارية للكيان العبري في كل حروبه مع الدول العربية، وبالتالي إيران، بشكل مباشر أو غير مباشر، كما هي الحال في اغتيال الشهيد قاسم سليماني وعدد من العلماء النوويين، فقد بات واضحاً، أن العدو الصهيوني يولي الجانب النفسي أي المعنوي، الأهمية البالغة في حروبه السابقة والآنية.
وقد ساعد المتواطئون والعملاء في المنطقة، الكيان الصهيوني في حربه النفسية هذه، ومن خلال التسويق لفكرة أن “العدو لا يقهر وذراعه تصل إلى كل مكان” وذلك عبر وسائل الإعلام المأجورة ومئات الآلاف من الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي.
وكان الهدف دائماً من هذا التسويق كسر معنويات الطرف الآخر، وهو في هذه الحالة شعوب هذه الجغرافيا التي تتعرض منذ أكثر من مئة سنة لأبشع المشاريع والخطط الدنيئة وأخبثها، وجرى من خلالها، رسم خرائط الدول وإيصال المتآمرين على شعوبهم إلى السلطة في هذه الدول.
فكان هؤلاء الحكام بكل إمكانياتهم وأبواقهم العميلة في خدمة العدو العبري ومن خلفه في واشنطن وحليفاتها التي استنفرت كل إمكانياتها، وخاصة في المؤسسات الإعلامية والأكاديمية وشبكات التواصل الاجتماعي لدعم الكيان العبري.
ويفسر ذلك موقف الإعلام الغربي والإقليمي المتواطئ مع “تل أبيب”، حيث قام بتسويق معلومات وأخبار وسيناريوهات الكيان العبري قبل وخلال وبعد طوفان الأقصى والعدوان على لبنان وسوريا، وأخيراً حرب الأيام الـ12 والتي بدأت في 13 حزيران الماضي، حيث كانت إيران بالنسبة إليهم، أخطر بكثير من الكيان العبري الصهيوني وعدوه الأهم هو إيران.
فعلى سبيل المثال، كان الإعلام العربي المتواطئ “يطبّل ويزمّر دائماً” لفكرة اختراق الموساد الإسرائيلي للمنظومة الأمنية للمقاومة الإسلامية في لبنان، وقبل ذلك داخل حماس، وأخيراً في إيران، وقبلها أيضاً في سوريا ومن ثم في اليمن”.
واعتبر الإعلام الغربي والإسلامي المتواطئ وبحماسة منقطعة النظير، “الاختراقات الإسرائيلية” بمنزلة الانتصارات العظيمة التي تثبت “أسطورة العدو الذي لا يهزم”، فهزمته حماس ومن معها من القوى الفلسطينية الشريفة في طوفان الأقصى، كما منعه مقاومو حزب الله من التوغل شمالاً في الجنوب اللبناني، ولو كان ثمن ذلك باهظاً جداً بالنسبة إليهم ولكل حلفائهم في لبنان والعالمين العربي والإسلامي، وبشكل خاص في إيران.
وربما لهذا السبب كان اهتمام الأبواق المأجورة بالعدوان الصهيو/أمريكي كبيراً، مع التسويق بشكل خاص للاختراقات الأمنية التي حققها العدو الصهيوني داخل إيران، وعبر سلسلة من العلاقات البشرية المدعومة بالتكنولوجيا الحديثة التي قيل لنا دائماً، إن العدو متفوق فيها جميعاً، ومن دون الاعتراف للطرف الآخر، أي إيران، بالنجاحات المماثلة التي تجاهلها العدو وأبواقه المأجورة في العالمين العربي والإسلامي.
فكما نجحت الاستخبارات الصهيونية، عبر عملائها والمتواطئين معها في غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران في تحقيق بعض المكاسب المهمة، فقد تمكنت الأجهزة الاستخبارية الإيرانية بدورها من الحصول على كميات هائلة من المعلومات والوثائق الاستراتيجية والحساسة، بما فيها الخطط العسكرية والمنشآت النووية الإسرائيلية.
وقد اعترف جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) في العديد من بياناته منذ بداية العام الجاري، وبشكل خاص بعد العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 حزيران باعتقال العديد من المواطنين الإسرائيليين، ومن بينهم روي مزراحي وألموغ آتياس، وهما شابان في الرابعة والعشرين من عمرهما بتهمة التعاون مع إيران.
وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية قد كشفت خلال الفترة الماضية عن وثائق سرية بالغة الأهمية، وقالت، إن عملية الحصول على الوثائق المذكورة قد تمت منذ فترة، إلا أن الحجم الكبير للوثائق وضرورة نقلها بشكل آمن إلى إيران، استدعى اتخاذ تدابير سرية شاملة لضمان وصولها إلى المواقع المنشودة.
وكان التلفزيون الإيراني، ونقلاً عن مصادر أمنية، قد أشار إلى أن وفرة الوثائق وحجمها الكبير، يتطلبان وقتاً كبيراً لمراجعتها ومشاهدة الصور والأفلام المرتبطة بها، خاصة أن معظم الوثائق تم سحبها من “إسرائيل” بواسطة القوى البشرية إلى “العملاء”، إضافة إلى الوثائق والمعلومات التي تم جمعها عبر الأساليب السيبرانية.
وتكشف الوثائق المذكورة عن مجموعة واسعة من الأنشطة العسكرية والمشاريع والمخططات العلمية السرية والفعاليات السياسية والأمنية الخفية في “إسرائيل” وربما في دول أخرى.
وفي البداية، سعت “تل أبيب” للتشكيك بهذه المعلومات، التي كشفت عنها الاستخبارات الإيرانية، وإلى التقليل من أهميتها، واضطرت لاحقاً للاعتراف بجدية البعض منها بعد اعتقال العديد من المواطنين الإسرائيليين، وقالت عنهم إنهم عملاء لإيران.
وفي جميع الحالات ومهما كانت الاحتمالات في المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني، فقد بات واضحاً، أن طهران بدورها باتت على مستوى التحديات المستقبلية، لا فقط مع “تل أبيب” بل حتى مع حلفائها الإقليميين والدوليين، وما عليها إلا أن تثبت ذلك للجميع، والأهم للشعب الإيراني الذي يحتاج إلى مزيد من المعنويات، بعد أن تحمّل الكثير في نضاله المشرّف للدفاع عن القضية الفلسطينية، وهي السبب في عداء الأعداء برمّتهم لها منذ الثورة الإسلامية وحتى يومنا هذا .



