خصخصة وبيع الشركات العامة تدمير للقطاع الصناعي الوطني

هيكلة المعامل تقضي على الإنتاج
المراقب العراقي/ أحمد سعدون..
تشهد وزارة الصناعة والمعادن في العراق، موجة من القرارات المتعلقة بسياسات الخصخصة، والتي طالت عددًا من الشركات العامة، حيث تمضي الوزارة نحو بيع بعض هذه الشركات أو إدخالها في مناقصات استثمارية تحت مبرر كونها خاسرة أو متوقفة عن العمل.
وقد أثارت هذه السياسات، ردود فعل واسعة في الأوساط الاقتصادية، نظرًا لما قد تسببه من تفكك في بُنية القطاع الصناعي الوطني، وتأثيرات مباشرة على آلاف العاملين، حيث شملت إجراءات الخصخصة، شركات عريقة مثل الشركة العامة للصناعات الجلدية والصوفية، بما فيها مصنع فتاح باشا في الكاظمية، ومصنع القطنية، بالإضافة إلى الشركة العامة للصناعات البتروكيمياوية، وشركة ابن ماجد العامة، وغيرها من الشركات التي كانت تمثل حجر الأساس للصناعات المحلية في البلاد، وقد تم تسويق هذه الخطوات بوصفها حلولًا لمعالجة الخسائر وتراجع الأداء، إلا أن العديد من الخبراء يشيرون إلى أن أسباب التدهور تعود إلى الإهمال وسوء الإدارة وتراجع الدعم الحكومي، وليس إلى ضعف القدرة الإنتاجية أو الكفاءات الموجودة في هذه الشركات.
ويرى اقتصاديون، أن هذه السياسة تعكس توجهًا قصير الأمد لمعالجة مشكلات مزمنة بطريقة سريعة وغير مدروسة، مؤكدين، أن الحل لا يكمن في بيع الأصول الصناعية بل في إعادة هيكلتها ودعمها ماديًا وتقنيًا، ويعتقد البعض، أن الإصرار على الخصخصة في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة، وغياب ضمانات الحوكمة والشفافية، قد يؤدي إلى خلق طبقة من الاحتكارات الخاصة التي تضر بالصالح العام.
وأشاروا الى ان من أبرز المخاطر المترتبة على هذه السياسات هو التهديد المباشر لمصير آلاف العمال والموظفين، لا سيما في ظل ما تم تداوله عن إحالة عدد من العاملين في الشركات العامة إلى التقاعد الإجباري دون طلبهم أو رغبتهم، أو الاستناد إلى مواد قانونية تتيح هذا الإجراء، وهو ما يعد تجاوزًا واضحًا لحقوق العاملين ومبادئ الأمان الوظيفي.
كما يشير محللون إلى أن هذه الخطوات لا تأخذ بعين الاعتبار الدور الاستراتيجي للصناعة في تأمين السيادة الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل الوطني، إذ لا يزال الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل شبه كلي على قطاع النفط، بينما تبقى القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها الصناعة، مهمشة أو عرضة للتفكيك بفعل غياب الرؤية التنموية المتكاملة.
وفي ظل استمرار هذا النهج، تحذر أصوات اقتصادية من أن العراق قد يفقد ما تبقى من قاعدته الصناعية، ويتحول إلى سوق استهلاكي يعتمد على الاستيراد، مع فقدان فرص لتشغيل الشباب وبناء طاقات إنتاجية وطنية، مؤكدين، أن السياسات الصناعية ينبغي أن تقوم على أسس علمية ورؤية استراتيجية تضع تطوير القطاع العام الصناعي كأولوية، لا سيما في هذه المرحلة الحرجة من التحولات الاقتصادية.
وفي السياق نفسه، أكد الخبير الاقتصادي ناصر الكناني في حديث لـ”المراقب العراقي”، أن “القطاعين الصناعي والزراعي في العراق، تعرّضا لشلل شبه تام بعد عام 2003، نتيجة لفتح الحدود على مصراعيها أمام البضائع المستوردة، خصوصًا من الصين، دون أية حماية حقيقية للإنتاج المحلي، مشيرا إلى أن المصانع العراقية ظلت خارج إطار التحديث والتطوير، ما أدى إلى تحولها تدريجيًا إلى خردة، في وقت كان بالإمكان الاستفادة من تجارب دول صناعية كبرى مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية”.
وأوضح الكناني، أن “ألمانيا آنذاك منحت مصانعها قروضًا حكومية وحدّثت خطوط إنتاجها، حيث خفض عدد العاملين في بعض الخطوط من 100 إلى 10 فقط، ما ساهم في زيادة الإنتاجية، وبالتالي تم استيعاب أعداد كبيرة من العمالة بفعل توسع حجم الإنتاج.”
وبيّن الكناني، أن “وزارة الصناعة كانت تسهم بنسبة 14% من الموازنة العامة قبل عام 2003، لكنها تحولت بعد ذلك إلى عبء مالي كبير بسبب توقف الإنتاج، إلى جانب الأعداد الضخمة من العاملين فيها، خاصة بعد تحويل موظفي التصنيع العسكري إليها”، مؤكداً، أن “الخسائر الناتجة لا يتحملها العامل، بل تتحملها الإدارة التي أخفقت في تطوير المنظومة الصناعية”.
وانتقد الكناني، “إحالة العاملين في القطاع الصناعي إلى التقاعد القسري، واعتبره إجراءً غير قانوني، مقترحًا بديلًا عمليًا يتمثل في نقل هذه الأيدي العاملة إلى القطاع الخاص من خلال إنشاء مشاريع صغيرة مدعومة، تعود إيراداتها للعاملين أنفسهم، ما يخفف العبء عن الموازنة العامة ويحرك عجلة الاقتصاد”.
وتقتضي المصلحة الوطنية وقف التفريط بالمؤسسات الإنتاجية، وإعادة تقييم أسباب تعثرها من منظور شامل لا يختزل المشكلة في نتائج مالية دون دراسة الجذور، كما أن دعم هذه الشركات وتوفير التمويل والتكنولوجيا اللازمة للنهوض بها هو السبيل الوحيد لتحقيق تنمية صناعية حقيقية، تضمن للعراق أمنه الاقتصادي واستقلاله عن تقلبات الأسواق العالمية، وفق رؤية الخبراء.



