اخر الأخبارثقافية

قاسم العابدي.. الحزن كهوية دائمة هو الوطن والقصيدة هي الخريطة

المراقب العراقي/ المحرر الثقافي…

يرى الناقد عبد الباري المالكي أن الشاعر قاسم العابدي يتحدث في قصائده عن الحزن لا كحالةٍ عابرة، بل كهويةٍ دائمة، كأنّ الحزن هو الوطن، والقصيدة هي الخريطة، واللغة هي الطريق.

وقال المالكي في قراءة نقدية خص بها “المراقب العراقي” في قصائد الشاعر (العابدي) لا تتجلّى الذات بوصفها كائنًا لغويًا فحسب، بل ككوكبٍ يدور في فلك الحنين، وكأنها نجمٌ يتوهّج في سماء الغياب.هي ذاتٌ لا تكتفي بالبوح … بل تنزف، ولا تكتفي بالظهور … بل تتوارى، ولا تكتفي بالحضور … بل تتأمل، ثم تغيب، لتعود، كأنها صلاةٌ تُؤدّى على محراب الشعر، أو دعاءٌ يُهمَس في ليلٍ طويل”.

 وأضاف :”هي ذاتٌ حزينة بلا ريب، بيدَ أنها لا تبكي، وإنما تكتب، غائبة غيرَ أنها لا تنسى، وإنما تتذكّر ، متأملة، لكنها لا تكتفي بالرؤية، بل تُبصر ما وراء الأشياء، وتُصغي لما يقال ومالا يُقال.

“وكنتَ كشتل السمر يزداد طيبهُ   ولكنه المذبوح في منجل السمرِ

تلاحقكَ الأوجاع في كل خطوةٍ   وتعزف في عينيكَ ترنيمةَ السترِ

ويبكي عليك الصبر إذ كنتَ صنوَهُ  حملتَ على كفيكَ طابوقة الصبرِ

فمُتْ إنّ جفن الموت يضفي حنانهُ عليكَ ويضفي فيك زادًا من العطرِ ” 

وتابع :”إننا نرى بصمة (العابدي)في قصائده لا كزائرٍ عابر، بل كقارئٍ للزمان، إذ إنه يجعلها ككائنٍ يرى بعينٍ باصرة، ويكتب بلغةٍ ناضرة ، يتحدث عن الحزن لا كحالةٍ عابرة، بل كهويةٍ دائمة، كأنّ الحزن هو الوطن، والقصيدة هي الخريطة، واللغة هي الطريق ، فذاته الشعرية لا تَسكن المدن، بل تَسكن الجراح، ولا تُكتَب من فرح، بل من وجعٍ يتقن النواح.

“أنا وجع القصيدة حين تبكي … فقبل جنانها أوقدت ناري

خطفتُ رهافةَ اللّحظاتِ حتّى… أُقلّمَ كلَّ أيامِ احتضارِي

بأعماقِي حديثٌ لا يُوارَى… ولا يَروي بُحيراتِ اعتذارِي

سأُمسكُ ضفّةَ النَّزَقِ المُقفّى… وأرميهَا لِما بعدَ الجدارِ

وكيفَ تُداعبُ الكلماتُ سَطرِي… وسَطرِي غابَ في كَمَدِ استِتارِي

طُقوسِي قدْ تُكبّلُ ما تَبَقّى… منَ الوقتِ المُملِّ على مَسارِي

يُراقِصُ خَافِقِي ألَمٌ تَخَلّى… عنِ الأشياءِ إلّا عنْ فَنَارِي” 

فذاته لا تتكلم، بل تُشعل لهفتها، وتترك للأشجان أن تتهاوى فوق آثارها، كأنها تكتب من رمادٍ، وتغني من نارٍ، وتبكي من نورٍ.إنها ذاتٌ لا تبحث عن الخلاص، بل عن المعنى. لا تهرب من الألم، بل تُقيم فيه، وتحوّله إلى قصيدةٍ، وإلى صلاةٍ، وإلى نايٍ يهمس في دجى ليله”.

 وأوضح :”أن الغياب في شعره ليس موتًا كما يظن الآخرون ، بل هو حياةٌ أخرى. فالذات العابدية لا تحضر بكاملها، بل تظهر من خلال ظلّ، أو ومضة، أو نداءٍ يأتي من بعيد. إنها ذاتٌ تَكتب من وراء الحجاب، وتتكلم من خلف الستار، وتُطلّ من نافذةٍ لا تُفتَح إلا بالحزن.

“على حزنٍ يصاحبني الغيابُ…  ويشرع باب مسراهُ السرابُ “

وفي عُرفِهِ أن الذات لا تتكئ على الممكن، بل على المستحيل.

 “فهل تخيّلتَ سيلاً حفَّهُ عطشٌ  والمستحيلُ على كفّيه يتكئُ”  فإن ذلك يعني أنها ذاتٌ لا تُعرّف نفسها، بل تُعرّف الغياب، وتُعرّف الحلم، وتُعرّف الأمل الذي لا يأتي.إنها ذاتٌ تكتب من غيابها، وتُضيء من ظلامها، وتُشعل القصيدة من رمادها، كأنها نجمةٌ لا تُرى، لكنها تُهدي الطريق.

وواصل :”في كثير من نصوص ذلك الفراتيّ الأسمر، تتحول ذاته المتأملة إلى عينٍ ترى، لا بعين الجسد، بل بعين الروح، إنها ذاتٌ تتأمل، لا لِتصِف … بل لتفهم، لا لتُخبِر … بل لتدرِك ، لا لتُعلِّق … بل لتُصلّي…” وفي عنق  الغروب ولدتُ ضوءًا زكيًّا لم يشوّهْه الترابُ ” وكأن شاعرنا يلمّح لنا أن ذاته ليست ذاتًا بشريةً فقط، بل هي ذاتٌ عرفانية، تتأمل النور، وتُناجيه، وتُصلّي له، وتكتب له، كأنها تكتب من قلب السماء، ومن عمق الوجد، ومن محرابٍ لا يُغلق ، إنها ذاتٌ تجعل من القصيدة صلاةً، ومن الحرف مسبحةً، ومن المعنى ابتهالًا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى